من المنهي عنه للتحرز عن العقوبة ودفع الضرر عن النفس بخلاف الحب فإنه يقتضي ما ذكر لمجرد رضائه تعالى وطلب التقرب منه والفضل بينهما ظاهر، أو أن حقيقة الحب تقتضي الميل إليه والتوصل به، وحقيقة الخوف وإن كان درجة عظيمة تقتضي الوحشة والفرار وبينهما بون بعيد وإن مقام المحبة أعلى من مقام الخوف لأن الخوف حالة نفسانية تحصل من معرفته تعالى ومعرفة جلاله وعظمته وكبريائه وغنائه عن الخلق ومعرفة قهره وغضبه وكمال قدرته عليهم وعدم مبالاته بتعذيبهم وتأديبهم وإهلاكهم ومعرفة عيوب نفسه وتقصيره في الطاعات والأخلاق والآداب ومعرفة أمر الآخرة وشدائدها وكلما زادت تلك المعارف زاد الخوف فيؤثر ذلك في القلب والجوارح تأثيرا عظيما فيميل القلب إلى ترك الشهوات والندامة على الزلات والعزم على الخيرات ويحترز من الرذائل كلها ويشتغل الجوارح بوظايفها فيحصل بترك الشهوات العفة والزهد وبترك المحرمات التقوى وبترك مالا يعني الورع والصدق والإخلاص ودوام الذكر والفكر حتى يترقى منها إلى مقام المحبة فلا يرى لنفسه إرادة ولا مراد أو يحب كل ما يرد عليه منه ولا يراه ثقيلا على نفسه بل يراه محبوبا مرغوبا يلتذ به أشد التذاذ لمجيئه من جانب المحبوب ويعده تحفة وهدية منه.
(ثم قال والله ما أحب الله من أحب الدنيا ووالى غيرنا) لعل السر فيه أن حبه تعالى يستلزم الميل إليه والتوصل به والتقرب منه بكل القربات وحب الدنيا والميل إليها والركون إلى زهراتها وغفلاتها والتولي بغير أئمة الهداة الهادية إلى القربات الداعية إلى الخيرات تنافي جميع ما يستلزم الحب، وما ينافي لازم الشئ ينافي ذلك الشئ بالضرورة فلا يجامع حب الدنيا وولاية غير الأئمة حب الله أبدا.
(ومن عرف حقنا) وهو الولاية والإمامة ووجوب الطاعة. (وأحبنا فقد أحب الله تعالى) كما نطق به صدر الآية المذكورة ولأن ذلك يوجب الإقرار بجميع ما أراده الله تعالى من عباده وأنزله إلى رسوله وهو أصل المحبة وأساسها بخلاف إنكار شيء منها خصوصا أعظمها وهو الولاية فإنه يوجب هدم أساس المحبة.
(فبكى رجل) كأنه كان من المنافقين.
(لم يشفعوا فيك) على صيغة المجهول من التشفيع أي لم تقبل شفاعتهم وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرايم.
(ثم قال يا حفص كن ذنبا ولا تكن رأسا) أي كن مرؤوسا تابعا ولا تكن رئيسا متبوعا شبههما بذنب الحيوان ورأسه، وقد روي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال «ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرق رعاؤها بأضر في دين المسلم من الرياسة».
(يا حفص قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خاف الله كل لسانه) أي يحفظه عما لا يعني، ولا ينطق إلا بالحق، وإن شئت أن تعرف