القرآن الكريم.
(فلعله أن يكون قد غفر له ما أتى وأنت موقوف ومحاسب) أشار إلى أن الفضل والقرب واستحقاق الرحمة وحسن العاقبة والارتباط بينه تعالى وبين العبد أمر معنوي ليس لك علم ولا يعلمه إلا هو فلعله غفر له بالتوبة أو العفو وأنت موقوف يوم القيامة محاسب بالمعصية وغيرها فكيف يجوز لك أن ترى نفسك أفضل منه، وقد مر في أول كتاب العقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال «ماتم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى وعد منها أن يرى الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه» نعم لو رأى في نفسه فضلا وخيرا من علم وطاعة وغيرهما وعده نعمة من الله تعالى ونسبه إليه وحمده به من حيث أنه منه ومن توفيقه فالظاهر أنه لا يضر كما قال سليمان (عليه السلام) (الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده).
(أما تلوت قصة سحرة موسى (عليه السلام)) فتعرف أن كفرهم بدل بإيمان يوجب نعمة الأبد، وأن معصيتهم بدلت بطاعة توجب ثواب الأبد، وأنه تعالى غفر لهم ما مضى من ذنوبهم، وفيه دلالة على أنه ينبغي تفضيل النفس على الكافر لما مر ولأنه يوجب العجب لا على أنه لا يجوز لعنه أو ذمه لكفره.
(وكم من مغرور بما قد أنعم الله عليه) من النعم الظاهرة والباطنة والجليلة والخفية، وليس القصد منه مجرد الأخبار بكثرتها بل القصد هو الحث على الشكر والتواضع والتنزه عن رذيلة الغرور الموجب للشرور، وقس عليه ما بعده.
(ثم قال إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا من هذه الأمة إلا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن) لعل المراد بالنجاة النجاة من دخول النار، والثلاثة المذكورة يدخلونها لا محالة لكن الشفاعة تلحقهم بعد مدة، وإنما حملناه على ذلك لدلالة الروايات على أن هذه الفسوق ليست بكفر وعلى أن العصاة من أهل المعرفة يخرجون من النار بالشفاعة، ثم لا يبعد تخصيص صاحب السلطان الجائر بمن كان معينا له في جوره أو ساكتا لا يعينه ولا يمنعه لأن صاحبه المانع له عن الجور ربما وقع مدحه في بعض الروايات، والمراد بصاحب الهوى من اتخذ الباطل من القول والفعل وصفا له فإنه قد أوقع نفسه في المهلكات، والمراد بالفاسق المعلن الفاسق الذي يذكر فسقه عند الناس أو المشهور به.
(ثم تلا قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) الظاهر أن الآية استشهاد لقوله «إني لأرجو النجاة لمن عرف حقنا» لا للمستثنى وإن احتمل ووجه الاستشهاد أن الاتباع يجلب محبة الله تعالى ومن يحبه الله فهو ناج قطعا، فإن قلت: الآية دلت على أن متابعة الرسول يجلب ذلك لا متابعتهم.
قلت: المخاطبون بهذا الحديث هم العارفون بحقهم (عليهم السلام) كما دل عليه قوله «إن قدرتم أن لا تعرفوا فافعلوا» والعارفون بحقهم لا يفرقون بينه وبينهم (عليهم السلام) في وجوب الاتباع فالآية عندهم دلت على أن متابعتهم أيضا تجلب المحبة، والله أعلم.
(ثم قال يا حفص الحب أفضل من الخوف) كأن الوجه له أن الخوف يقتضي الإتيان بالمأمور به والاجتناب