اضطراب القلب التابع للخوف وعلى الاستغاثة وطلب الناصر الدافع له وهو هنا أنسب لأن التأسيس خير من التأكيد.
(ودوا أنه حظهم من الدنيا) خبر للموصول والضمير المنصوب راجع إلى عرفان حقهم وما عطف عليهم، وتخصيصه بالقوت المذكور وما بعده بعيد.
(أتوا والله بالطاعة مع المحبة والولاية) أي بطاعة الله أو بطاعتنا مع محبتنا وولايتنا (وهم في ذلك خائفون أن لا يقبل منهم) لاحتمال تقصيرهم في القدر اللائق بهم وكذلك خوف العابدين من التقصير في العبادة (وليس والله خوفهم خوف شك..) أي ليس خوفهم من أجل شكهم في كون دينهم حقا.
(ثم قال إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا تراني) من باب المفاعلة أو التفاعل من الرؤية حذفت إحدى التائين تخفيفا أي لا تعمل عملا رياء وسمعة ليراه الناس ويمدحوك، وقد يأتي المرائي بمعنى المجادل.
(ولا تتصنع) التصنع: تكلف حسن السمت والتزين (ولا تداهن) أي لا تساهل في الدين أو لا تظهر بخلاف ما تضمر وقد أفاد (عليه السلام) أن الأفضل أن لا تخرج من بيتك وبين أن في الخروج والمخالطة مع الناس مفاسد ستة قلما ينفك الخارج منها أو من بعضها، وبين أنه وجب عليك أن تحفظ نفسك عند الخروج عنها.
ثم قال على سبيل التأكيد والترغيب في الاعتزال بذكر منافعه: (نعم صومعة المسلم بيته...) اختلفوا في أن العزلة أفضل أم الخلطة فذهب جماعة إلى الأول وطائفة إلى الثاني وأورد كل من الفريقين أدلة من الكتاب والسنة على مطلوبهم، والحق أن كلا من الاحتجاجين صحيح، ولكن ليس العزلة أفضل مطلقا ولا المخالطة أفضل مطلقا بل كل في حق بعض الناس بحسب مصلحته وفي بعض الأوقات لوجود المصلحة فيها إذ لكل واحد منهما فوائد ومصالح وشرائط متفاوتة بحسب تفاوت الأشخاص والأوقات، وإن شئت معرفة ذلك تفصيلا فارجع إلى ما ذكرنا في أوايل كتاب العقل.
(أن من عرف نعمة الله بقلبه استوجب المزيد من الله عز وجل قبل أن يظهر شكرها على لسانه) رغب في معرفة نعمائه وآلائه بالقلب وتذكيره وتعظيمه والاعتقاد باستحقاقه الثناء، وعد ذلك شكرا موجبا للمزيد كما قال عز وجل (ولئن شكرتم لأزيدنكم) ثم عد إظهار تلك النعمة باللسان فردا آخر من الشكر وهو أيضا موجب للزيادة بمقتضى الآية فيحصل حينئذ زيادة على الزيادة لتحقق علتها (ومن ذهب يرى أن له على الآخر فضلا فهو من المستكبرين) إشارة إلى أنه ينبغي للعابد العارف الكامل أن يعد نفسه مقصرة في الطاعة وطلب الكمال وطاعته ناقصة بذاتها وبالنظر إلى عظمة المعبود بل يعد نفسه أحقر من كل أحد وعبادته أنقص من كل عبادة، وهذا معنى التواضع، فإذا رأى أن له فضلا عن الآخر فقد رأى لنفسه منزلة وحالا ولعلمه فضلا وكمالا وأنه بتلك الحال والكمال أفضل وأشرف من الآخر فهو من المستكبرين الذين ذمهم الله تعالى في مواضع من