ذلك اليوم قتالا خارجا عن طوق البشر، وأن ستة رجال من شجعان العرب وأبطالهم تعاهدوا على أن يحيطوا به دفعة فأحاطوا به فقتل (عليه السلام) بعضهم وهرب بعض ونقل في كيفية قتاله حكاية غريبة (وقال: لا والله لا جعلت نفسي في حل من بيعتي إني بايعتك) بايعت مفاعلة من البيع وكانوا إذا بايعوا أحدا قبضوا على يده اليمنى توكيدا للأمر فاشبه ذلك فعل البايع والمشتري فجاءت المفاعلة في بايعت من ذلك وأما البيعة فهي عرفا معاهدته على تسليم النظر في كل الأمور إليه على وجه لا ينازع ولا ينصرف عنه ولو قتل (فلم يزل يقاتل حتى أثخنته الجراحة اه) أي أثقلته وأوهنته، يدل ظاهر هذا على أن أبا دجانة استشهد يوم أحد لكن صرح بعض العامة ببقائه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) قال القرطبي: أبو دجانة اسمه سماك بن خرشة الخزرجي وهو مشهور بكنيته وشهد بدرا وأحدا ودافع عن النبي (صلى الله عليه وآله) يومئذ هو ومصعب بن عمير وكثرت فيه الجراحات وقتل مصعب وكان أبو دجانة أحد الشجعان له المقامات المحمودة مع رسول الله في مغازيه، استشهد يوم اليمامة، قال أنس: رمى أبو دجانة بنفسه الحديقة التي كان فيها مسيلمة فانكسرت رجله فقاتل حتى قتل، وقيل أنه شارك وحشيا في قتل مسيلمة، وقيل: إنه عاش حتى حضر صفين مع علي (فقال: يا رسول الله أسمع دويا شديدا وأسمع أقدم حيزوم) في النهاية، الدوى: صوت ليس بعال كصوت النحل ونحوه وفيها أيضا في حديث بدر أقدم حيزوم جاء في التفسير أنه اسم فرس جبرئيل (عليه السلام) أراد أقدم يا حيزوم فحذف حرف النداء والياء فيه زائدة هذا ولعل ركوب الملائكة (عليهم السلام) وقتالهم على الوجه المعتاد وإلا فأقل حركتهم كافية في إهلاكهم كما اتفق في إهلاك الأمم السابقة، لا يقال القتال على الوجه المعتاد يقتضى أن يروهم لأنا نقول ليس هنا ما يدل على أنهم لم يروهم فلعلهم رأوهم وظنوا أنهم من العساكر المنصورة، وقال بعض العامة: إن إظهارهم للمشركين عند أخر القتال واحتضار الموت كما قال تعالى (يوم يرون الملائكة لا بشرى - الآية) وقال بعضهم: يجوز أن يروهم وإنما لم يموتوا بلاغا للأعذار وزيادة إقامة الحجة عليهم (فقال: يا محمد أن هذه لهي المواساة) في النهاية المواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرزق وأصلها الهمز فقلبت واوا تخفيفا، ولعل المراد بها هنا مواساته بنفسه وماله من قولهم واساه بماله مواساة أناله منه (فقال (صلى الله عليه وآله):
إن عليا مني وأنا منه قال جبرئيل: وأنا منكما) قال في الفائق: يقال: هو مني أي هو بعضي والغرض الدلالة على شدة الاتصال وتمازج الأهواء واتحاد المذاهب ومثله قوله تعالى (فمن تبعني فإنه مني) وقال الصدوق في العلل: قول جبرئيل وأنا منكما تمنى منه لأن يكون منهما فلو كان أفضل منهما لم يقل ذلك ولم يتمن أن ينحط عن درجته إلى أن يكون ممن دونه وإنما قال: وأنا منكما ليصير من هو أفضل منه فيزداد محلا إلى محله وفضلا إلى فضله (يا علي أمض بسيفك حتى تعارضهم) أي حتى تأتيهم من عارضه إذا