فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفيت بيعتي؟ قال: نعم، وقال له النبي (صلى الله عليه وآله) خيرا وكان الناس يحملون على النبي (صلى الله عليه وآله) الميمنة فيكشفهم علي (عليه السلام) فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فلم يزل كذلك حتى تقطع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فطرحه بين يديه وقال هذا سيفي قد تقطع فيومئذ أعطاه النبي (صلى الله عليه وآله) ذا الفقار ولما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السماء وهو يبكي وقال: يا رب وعدتني أن تظهر دينك وإن شئت لم يعيك فأقبل علي (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال يا رسول الله أسمع دويا شديدا وأسمع أقدم حيزوم وما أهم أضرب أحدا إلا سقط ميتا قبل أن أضربه فقال: هذا جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في الملائكة.
ثم جاء جبرئيل (عليه السلام) فوقف إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة فقال: إن عليا مني وأنا منه فقال جبرئيل: وأنا منكما، ثم انهزم الناس فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): يا علي امض بسيفك حتى تعارضهم فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة، وإن رأيتهم قد ركبوا الخيل وهم يجنبون القلاص فإنهم يريدون المدينة، فأتاهم علي (عليه السلام) فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعلي (عليه السلام): يا علي ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكة؟ فانصرف إلى صاحبك، فأتبعهم جبرئيل (عليه السلام) فكلما سمعوا وقع حافر فرسه جدوا في السير وكان يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمد قد أقبل فدخل أبو سفيان مكة فأخبرهم الخبر وجاء الرعاة والحطابون فدخلوا مكة فقالوا: رأينا عسكر محمد كلما رحل أبو سفيان نزلوا يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم، فأقبل أهل مكة على أبي سفيان يوبخونه ورحل النبي (صلى الله عليه وآله) والراية مع علي (عليه السلام) وهو بين يديه فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي (عليه السلام): أيها الناس هذا محمد لم يمت ولم يقتل. فقال صاحب الكلام الذي قال: «الآن يسخر بنا وقد هزمنا»: هذا علي والراية بيده حتى هجم عليهم النبي (صلى الله عليه وآله) ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم وخرج الرجال إليه يلوذون به ويثوبون إليه، والنساء نساء الأنصار قد خدشن الوجوه ونشرن الشعور وجززن النواصي وخرقن الجيوب وحزمن البطون على النبي (صلى الله عليه وآله) فلما رأينه قال لهن خيرا وأمرهن أن يستترن ويدخلن منازلهن وقال: إن الله عز وجل وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلها. وأنزل الله على محمد (صلى الله عليه وآله): (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا - الآية).
* الشرح:
(وبقي معه علي (عليه السلام) وسماك بن خرشة) سماك بكسر السين وكنيته أبو دجانة بضم الدال وخرشه بالتحريك وفي القاموس خراشة بالألف بعد الراء وفي بعض التفاسير أن عليا (عليه السلام) قاتل