قول الله عز وجل: (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه) قال: لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط مملكة، (قال إن الله اصطفاه عليكم) وقال: (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) فجاءت به الملائكة وتحمله وقال الله جل ذكره: (إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني) فشربوا منه إلا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، منهم من اغترف ومنهم من لم يشرب فلما برزوا قال الذين اغترفوا: (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) وقال الذين لم يغترفوا: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).
* الشرح:
قول: (إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) قيل طالوت علم عبرى كداود وقيل أصله طولوت فعلوت من الطول سمي به لطول قامته وكان أطول من كل أحد برأسه ومنكبه واسمه بالعبرانية شاول بن قيس، ورد هذا القول بأن منعه من الصرف لتعريفه وعجمته يدفعه (قالوا أنى يكون له الملك علينا) أي من أين وهو استفهام أو استبعاد أو إنكار (ونحن أحق بالملك منه) وراثة ومالا ومكنة واقتدارا (قال: لم يكن من سبط النبوة ولا من سبط المملكة) لأنه كان من أسباط بنيامين بن يعقوب (عليه السلام) ولم يكن فيهم النبوة ولا الملك والسلطنة وإنما كانت النبوة في أسباط لاوى والملك في أسباط يهودا ومع ذلك قيل كان فقيرا راعيا أو سقاء يسقي على حمار له أو دباغا يدبغ الأديم على اختلاف الأقوال فيه، والملكة والمملكة مصدران، يقال: ملكه يملكه ملكا مثلثة وملكة محركة ومملكة بضم اللام أو تثلث احتواه قادرا على الاستبداد به، وفي الكنز مملكة وملكة «پادشاهي كردن وپادشاه شدن» (قال: إن الله اصطفاه عليكم) أي قال نبيهم إشمويل (عليه السلام) بعد ما استبعدوا أن يكون طالوت ملكا لهم لما ذكر أن الله الذي عالم بالمصالح الكلية والجزئية، اصطفاه واختاره عليكم لعلمه تعالى بأنه أقدر منكم على إجراء أمور السياسة (وقال نبيهم) حين طلبوا منه آية على أنه تعالى اصطفى طالوت عليهم (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت) هو فعلوت من التوب: وهو الرجوع لا يزال يرجع إليه ما يخرج منه كما قيل أو لأنه يرجع من نبي بعد انقضاء مدته إلى آخر، قيل: إنه كان صندوقا من عود الشمشاد ثلاثة أذرع في ذراعين أنزله الله تعالى إلى آدم (عليه السلام)، وكانت فيه صور الأنبياء وأسماؤهم وأعمارهم وأزمنتهم، ولما مات آدم صار إلى شيث ثم الأنبياء بعده يتوارثون إلى أن بلغ موسى (عليه السلام) وكان يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه ثم رفعه الله بعد موسى، وقيل: كان بعده في أنبياء بني إسرائيل حتى أفسدوا فغلبهم الكفار عليه فوقع في أرض جالوت فابتلوا بالطاعون فتشأموا به فوضعوه على ثورين فساقتهم الملائكة إلى قوم طالوت (فيه سكينة من ربكم) أي في إتيانه سكون وطمأنينة لكم أو في التابوت ما تسكنون إليه وهو التوراة قيل كان