في أفراد من الناس، ومات حذيفة في خلافة عثمان، والوكت: الأثر اليسير، والمجل بفتح الميم وسكون الجيم أو فتحها، تنفط اليد من العمل بفأس ونحوه وفاعل نفط ضمير الرجل والتذكير باعتبار لفظ الرجل ومنتبر معناه مرتفع.
وقال المازري: والمعنى أنه شبه زوال نور الأمانة بعد استقرارها واعتقاب الظلمة إياها بجمر دحرج على رجل فاثر ثم زال الجمر وبقي الأثر الذي هو التنفط وبالجملة المقصود من الحديث، الأخبار عن تغير الحال برفع الأمانة من تلك القلوب التي جبلت على حفظها وعدم الخوف فيها حتى لا يبقى فيها إلا مثل الوكت، ثم مثل المجل، وقوله: أيكم بايعت، فسره الآبي شارح مسلم بالبيع أي لا يؤمن على البيع والشراء إلا القليل برفع الأمانة وحمله القرطبي شارح مسلم على بيعة الخلافة وفسر الساعي بالعامل. أقول إذا مات حذيفة في خلافة عثمان كما صرح به محيى الدين وأنه رأى رفع الأمانة عن الصحابة ورأى اتصافهم بالكفر كما دل عليه الحديث إلا في قليل منهم فقد دل ذلك على مدعانا وهو ارتدادهم بعد فوت النبي (صلى الله عليه وآله)، وتخصيص رفع الأمانة بالبيع والشراء كما فسره الآبي لاوجه له بل هو فرد من أفراده فما زادوا في ذلك إلا قسوة على قسوة، على أن لنا أن نقول إذا لم يكونوا أمينا في البيع والشراء فكيف صاروا أمينا في نصب الخليفة للأمة إلى يوم القيامة هذا والأمر الآخر الذي انتظر مجيئه حذيفة هو وقوع الفتن في الحديث الآتي كما صرح به الآبي ومنه ما رواه مسلم عن حذيفة، قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكر الفتن؟ فقال قوم:
نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله وجاره؟ قالوا: أجل قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ولكن أيكم سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا: قال: ايت لله أبوك قال حذيفة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوذا عوذا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مر بدا كالكوز مخجيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، قال حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر قال عمرا أسر لا أبالك فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قال لا بل يكسر، قال الأصمعي: سكت القوم صمتوا واسكتوا أطرقوا وعوذا بالذال المعجمة من الاستعاذة أي يعرض الفتن على القلوب يلصقها مثل لصوق الحصر، وتأثيرها بجنب النائم عليها عوذ بالله واشربها أي حلت منه محل الشراب وقوله: مثل الصفا في أنه لا يلصق به شيء من الفتن كما لا يلصق به شيء، ومربد: مثل محمر معنى لا صورة يسير بياض في سواد؟، والمخجى: المنكوس المائل الذي لا يقع فيه شيء وأن بينك وبينها بابا أي لا يخرج شيء منها في حياتك.