* الشرح:
قوله: (حتى بلغوا سلمان فقال له عمر بن الخطاب: أخبرني من أنت ومن أبوك وما أصلك) افتخر عمر على سلمان بشرف آبائه ولم يعلم أن الشرف كل رجل بأفعال شريفة وأخلاق كريمة وأن شرف الآباء لو كان لا ينفعه وأن العبد الحبشي لو كان له دين ومروة وعقل وتقوى وورع خير من رجل قرشي لم يكن له، ذلك وأنه ليس للانسان إلا ما سعى، وأجاب سلمان بأمور دلت على تذلله وتواضعه لله تعالى، والشكر على نعمه وهي نسبه المشعر بالعبودية والهداية بعد الضلالة التي هي الخروج من دين الحق أو الجهل بالأحكام الشرعية والغنى بعد العيلة، والفقر والعتق بعد الملك، والمراد به: العتق المعروف حمله على العتق من قيد النفس الأمارة بعيد ومما يناسب ذكره في هذا المقام ما ذكره القرطبي قال «سلمان يكنى أبا عبد الله (عليه السلام) وكان ينسب إلى الإسلام فيقول أنا سلمان بن الإسلام ويعد من موالي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنه أعانه بما كوتب عليه فكان سبب عتقه، وكان يعرف بسلمان الخير، وقد نسبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى بيته فقال: سلمان منا أهل البيت، وأصله فارسي من رامهرمز قرية يقال لها جي وقيل: بل من أصبهان وكان أبوه مجوسيا فنبهه الله تعالى على قبح ما كان عليه أبوه وقومه وجعل في قلبه التشوق إلى طلب الحق فهرب بنفسه إلى أن وصل إلى الشام فلم يزل يجول في البلدان ويختبر الأديان ويكتشف الأحبار والرهبان إلى أن دل على واهب الوجود فوصل إلى المقصود بعد مكابدة عظيمة انتهى وسنذكر تفصيل أحواله إن شاء الله تعالى.
(فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه) في المصباح الحسب بفتحتين: ما يعد من المآثر وهو يكون في الإنسان وإن لم يكن لآبائه شرف، ورجل حسيب: كريم في نفسه، ولا ريب في أن الدين والعمل بما فيه أشرف المآثر والمفاخر (ومروءته خلقه) في المصباح، المروءة:
آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، يقال:
مرؤ الإنسان فهو مريء، مثل قرب فهو قريب أي ذو مروءة قال الجوهري وقد شدد فيقال مروة (وأصله عقله) إذ به يتم كماله وحقيقته وينتسب إلى الأنبياء والأوصياء وقد أشار (صلى الله عليه وآله) أن مزية الإنسان وشرفه بهذه الأمور الثلاثة لا بالنسب وشرف الآباء وشهرتهم (قال الله عز وجل إنما خلقناكم من ذكر وأنثى): أي: من رجل وامرأة وهما آدم وحوا عليهما السلام أو المراد بهما الأب والأم لكل واحد فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب والتعيير والاعتياب به والخطاب لجميع الناس من العرب والعجم والذكر والأنثى والحر والعبد (وجعلناكم شعوبا وقبائل) الشعب بالفتح: ما انقسمت فيه قبائل العرب، والجمع شعوب مثل فلس وفلوس ويقال الشعب: هو الحي