من أسباب ما يخافه (راضيا بالكفاف من أمره) الدنيوي في كل ما يحتاج إليه في البقاء من المأكل والمشرب والمسكن والملبس وغيرها، والكفاف بالفتح مقدار الحاجة من الرزق من غير زيادة ونقص سمى بذلك لأنه يكف عن سؤال الناس ويغني عنهم (وأحسن طول عمره) أي في طول عمره ومدة حياته فهو ظرف للإحسان، والمراد به فعل ما ينبغي وترك مالا ينبغي (يظهر دون ما يكتم) أي يظهر ما ينبغي كتمانه من كمالاته وعباداته وأسراره وغيرها مما في إظهاره فساده أو فساد غيره، وفيه ترغيب في الاقتصار على الإظهار قبل البلوغ إلى حد ما يكتم (ويكتفي بأقل مما يعلم) أي يكتفي في إفادته بأفل مما يعلم من معلوماته اكتفاء بقدر الحاجة وحذرا من الفخر والعجب من إظهار الحال على وجه الكمال (أولئك ودائع الله في بلاده) فيجب على أهل البلاد حفظهم كما يجب حفظ الوديعة، ويحتمل أن يراد بالودايع العهود والمواثيق من قولهم توادع الفريقان إذا أعطى كل واحد منهما الآخر عهدا واسم ذلك العهد الوديع، يقال أعطيته وديعا أي عهدا كذا في النهاية فكأنه تعالى أخذ على أهل البلاد عهدا بحفظهم وهم أخذوا على الله تعالى عهدا على دفعه عنهم ما أقاموا على الوفاء بذلك العهد وهذا أنسب بقوله (المدفوع بهم عن عباده) كما روى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «إن الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء (لو أقسم أحدهم على الله جل ذكره لأبره) القسم: اليمين وقد أقسم بالله وتعديته بعلى لتضمين معنى الإيجاب ومعناه كما صرح في الفائق أن يقول بحقك يا رب أفعل كذا فإذا قال ذلك لأبره أي أمضى يمينه بالصدق تعظيما له واستجابة لسؤاله وقضاء لطلبته (أودعا على أحد نصره الله) كما دعا نوح وموسى (عليهم السلام) على قومهما فأجاب الله تعالى دعائهم وأهلك قومهما بالغرق ودعا كثير من الصالحين على عدوهم فأخذهم الله بغتة وأهلكهم.
(يسمع إذا ناجاه) أي يسمع سماع قبول (ويستجيب له إذا دعاه) قد دعا كثير من الأولياء واستجاب دعائهم بلا مهلة كما نطقت به الآيات والرويات (جعل الله العاقبة للتقوى والجنة لأهلها مأوى) ترغيب في التقوى لنرتب حسن العاقبة ودخول الجنة عليها كما قال عز وجل (والعاقبة للمتقين) وقال (تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا) (دعائهم فيها أحسن الدعاء سبحانك اللهم) الظاهر أن أحسن خبر مبتدأ، وأن سبحانك اللهم خبر بعد خبر أو بدل عنه أو خبر مبتدأ محذوف وهم يقولون ذلك عند إرادتهم طعاما أو شرابا أو غيرهما فإذا قالوا ذلك بادرت الخدمة بما يشتهون من غير طلبهم ووجه كونه أحسن الدعاء أنه دال على ذاته المتصف بجميع الكمالات وتوحيده المطلق وتنزيهه عن جميع النقايص (دعاؤهم المولى على ما آتاهم) من النعماء التي لا يحيط بها البيان، والظاهر أنه بدل أو بيان لقوله دعائهم (وآخر دعواهم) إذا فرغوا من لذاتهم من الطعام والشراب وغيرهما (أن الحمد لله رب العالمين) هذا التفسير ذكره الباقر (عليه السلام) في آخر حديث النوق والجنان.