قوله (اسمعوا وقد بلغت) أي بلغت ما وجب علي من الأمر بحفظ كتاب الله والتمسك بأهل بيتي.
قوله (والثقلان كتاب الله تعالى وأهل بيتي) اتفقت العامة والخاصة على مضمون هذا الحديث وصحته وهذا صريح في المطلب فإنه لا يشك عاقل أن الثقلين يقومان مقامه بعده في أمته وأن التمسك بهما أمان من الضلال وقد مر أن المراد من أهل البيت العترة (عليهم السلام) وقد صرحوا أيضا بذلك ففي صحيح مسلم قال الحصين لزيد بن أرقم وهو راوي الحديث المذكور مع زيادة: «يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده» وقال حسان لزيد بن أرقم أنساؤه من أهل بيته؟ قال: لا، وأيم الله أن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وأمها وقومها. أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده، وقال عياض: «معنى قول زيد: نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته الذين منعوا الصدقة ان نساءه من أهل مسكنه وليس المراد إنما أهل بيته أهله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده» أي الذين منعتهم خلفاء بني أمية صدقتهم التي خصهم الله سبحانه بها وكانت تفرق عليهم في أيامه (عليه السلام)، ويحتمل أن يعني الذين حرموا الصدقة التي هي من أوساخ الناس، وأما وجه تسميتها بالثقلين فقال محيي الدين البغوي: سماهما ثقلين لأن العمل والأخذ بهما ثقيل والعرب تقول لكل شيء نفيس ثقيل فسماهما ثقلين لعظمهما وتفخيم شأنهما، ومثله قال ابن الأثير في النهاية، وقال الزمخشري في الفائق: قال النبي (صلى الله عليه وآله):
«خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» الثقل المتاع المحمول على الدابة وإنما قيل للجن والإنس الثقلان لأنهما قطان الأرض فكأنهما ثقلاها وقد شبه بهما الكتاب والعترة في أن الدين يستصلح بهما ويعمر كما عمرت الدنيا بالثقلين، والعترة العشيرة وسميت بالعترة وهي المرزنجوشة لأنها لا تنبت إلا شعبا متفرقة.
قوله (فلا تسبقوهم فتهلكوا) فمن سبقهم من الخلفاء الثلاثة الذين خلفوا وغيرهم فقد هلكوا وأهلكوا من تبعهم ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم لأنهم مهبط الوحي لكون النبي (صلى الله عليه وآله) منهم وفيهم وهم ملازموه ومعاشروه وفيهم باب مدينة العلم وهم أخص الخلق به وأقربهم إليه نسبا ومنزلة وأفضلهم لديه علما وعملا مع صفاء نفوسهم وضياء عقولهم وتقدس ذواتهم وقد صرحوا بأن عليا (عليه السلام) أعلم من جميع الأمة وفيه دلالة واضحة على أن الإمام يجب أن يكون أعلم من جميع