شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٥
والناصبين لآل محمد (عليهم السلام) لأنهم بسبب الجهل المركب خرجوا عن القابلية للتعلم فضلا عن القابلية للتعليم، وعلى أن الشرف والكمال للناس بالعلم لا بالجاه والمال والنسب وعلى أن الأعلم وكل من كان أكثر رواية عنهم (عليهم السلام) ولو بواسطة ينبغي تقديمه على العالم والعالم على الجاهل (1) كل ذلك لترجيح الفاضل على المفضول والأشرف على الأخس، فلا قدر للجاهل لأنه رذل خسيس دني وإن كان ذا مال ونسب معروف لقول النبي (صلى الله عليه وآله): «ما استرذل الله عبدا إلا حظر عليه العلم والأدب» (2)، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا أرذل الله عبدا حظر عليه العلم» (3)، يقال: أرذل الله عبدا واسترذله أي جعله رذلا، وهو الخسيس الدني ولتشبيهه تعالى له تارة بالأنعام فقال: (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) وتارة بالكلب، فقال: (مثلهم كمثل الكلب...) الآية.
وبالجملة: رذالة الجاهل وعدم اعتباره وسفالة حاله مما دل عليه كثير من الآيات الكريمة والروايات الصحيحة. وسر ذلك أن المقصود من خلق الإنسان ليس ذاته (4) من حيث هو بل العلم

١ - خص الرواية بالعالم، وأما في اصطلاح أهل زماننا فليس من كثرت روايته أعلم ممن قلت روايته، والمقصود في الحديث كثرة الرواية مع التفهم والدراية لا الحفظ فقط. (ش) ٢ - أخرجه ابن النجار من حديث أبي هريرة بسند ضعيف كما في الجامع الصغير.
٣ - النهج - قسم الحكم والمواعظ، تحت رقم ٢٨٨.
٤ - فإن قيل: من أين عرف أن المقصود من خلق الإنسان ما هو وكيف علم أنه العلم بالأسرار الإلهية أو غيره؟
قلنا أولا: إن من الموجودات السفلية ما خلق لأجل غيره كالنبات لغذاء الإنسان مثلا، وحينئذ ففائدته انتفاع الإنسان به، ولا ضير في أن يفنى ويبطل لأجل موجود أعلى وأشرف، ولا يلزم من بطلانه وفساده العبث في فعل الحكيم ومن الموجودات ما ليس شيء أعلى وأشرف منه حتى يكون وجوده لأجل ذلك كالإنسان فإنا لا نعلم في هذا العالم شيئا يكون الإنسان لأجله فإن العناصر والمواليد كلها دونه فلا يمكن أن يقال: الإنسان خلق لأن يكشف أسرار النبات والحيوان وخواص المعادن وأعماق البحار وأبعاد الكواكب فإن ذلك يستلزم كون هذه الجمادات أشرف من الإنسان حيث سخر الإنسان لها على ما يذهب إليه الطيبون.
ونقول ثانيا: الغرض من إيجاد الإنسان إن كان كشف أسرار الطبيعة لله تعالى والعقول فإنهم عارفون بها قبل الكشف، وإن كان الغرض كشفها للطبيعة نفسها فمعلوم أنها غير شاعرة فبقي أن يكون الغرض كشف أسرارها للإنسان نفسه أما بأن يكشفها السابقون للاحقين فننقل الكلام إلى اللاحقين وإلى نوع الإنسان جميعا، فإن كان في علمهم بأسرار الكائنات فائدة لأنفسهم كانوا هم الغرض والغاية.
وبقي الكلام في غاية وجود الإنسان ولا نتعقل إلا العلم بالأسرار الإلهية، وأما سائر صفاته وعلومه ونعوته فهي لحفظه وبقائه فوجود الإنسان بأن يكون غاية لها أولى بالعكس، فالشهوة لبقاء الشخص أو النوع والغضب كذلك والعلوم الطبيعية والصنائع كذلك، ولم يبق شيء إلا معرفة الله تعالى والتقرب إليه لائقا بأن يكون غاية للإنسان ومع ذلك فبعض آيات القرآن الكريم يدل عليه مثل قوله تعالى:
(أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون) يعني لو لم يكن غاية وجود الإنسان الرجوع إلى الله كان خلقه عبثا; إذ لا شيء أعلى منه حتى يكون غايته. (ش)
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست