شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢١٠
عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم» (1)، وقد كان موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام قبل البعثة مؤمنا بالله تعالى وبصفاته وباليوم الآخر ولم يظهره على أهل الباطل وكلام المتقدمين من الحكماء في باب التعليم أيضا صريح في الكتمان (2).
وبالجملة الاعتبار ومشاهدة السير والآثار ومطالعة القرآن والأخبار الواردة من طرق العامة والخاصة شواهد صدق على بطلان ما زعمه الحسن وضعف حاله وقلة معرفته وقع فيما وقع لاتكاله بعقله وعدم أخذ العلم من أهله.
(فليذهب الحسن يمينا وشمالا) لطلب العلم من الناس، فإن ذلك لا ينفعه أصلا ولا يورثه إلا حيرة وضلالا لعدوله عن الصراط المستقيم ورجوعه إلى من لا يعلم الأسرار الإلهية والشرائع النبوية، ثم بين ذلك الصراط، وحصر طريق أخذ العلم في غير ما سلكه على وجه المبالغة والتأكيد بقوله:
(فوالله ما يوجد العلم إلا هاهنا) أشار به إلى صدره اللطيف أو إلى مكانه الشريف أو إلى بيت النبوة ومعدن الخلافة والإمامة، لأن فيهم كرائم الإيمان، وعندهم كنوز الرحمن، ولديهم تفسير الأحاديث والقرآن وهم شعار الرسالة والنبوة، وخزان العلوم والمعرفة، وبيوت الفضائل والحكمة، قد خصهم الله سبحانه بالنعمة الجزيلة، وكرمهم بالمقامات العالية الشريفة، وجعلهم هداة الأرواح في عالم الطبائع البشرية كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) خطابا لمعاوية: «فدع عنك ما مالت به الرمية فإنا صنائع ربنا والناس صنائع لنا» (3)، ومراده (عليه السلام): أن من طلب العلم والحكمة وأسرار الشريعة فليرجع إلينا وليسأله عنا (4)، فإنا موارده والناس بتعليمنا يعلمون وبهدايتنا يهتدون.

1 - تقدم في ص 140 من هذا المجلد.
2 - يدل صريحا على أن جميع ما يتعلق بالدين ليس مما يفهمه جميع الناس بل هنا امور يختص بها جماعة قليلة منهم وعلى العلماء أن يكلموا الناس بقدر ما يفهمون، وهذا رد على ما قد يتبادر إلى الأذهان العامية من أن بعض ما يتكلم به أهل المعرفة مما لا يفهمه غيرهم باطل; لأنهم لا يفهمون إذ لا يعترف أحد بنقصان عقله، وهذا لا يختص بالتوحيد واصول الدين بل يتفق في المسائل الفقهية أيضا; إذ منها ما لا يفهمه العامة ويوجب ضلالهم إلا إذا تكلم معهم على قدر عقولهم، وقد سبق بيان ذلك في الصفحة 139. (ش) 3 - النهج - قسم الكتب والرسائل، تحت رقم 28، وقوله: «من مالت به الرمية» كالمثل يضرب لمن تميل به عن الحق أغراضه الباطلة، والرمية الصيد يرمى، وأصل المثل أن الرجل يقصد قصدا فيتعرض له الصيد فيتبعه فيميل بعد عن قصده الأصلي.
4 - قوله: «وليسأله عنا» والصحيح وليسألنا عنها، ولكن الشارح استعمل السؤال على طريقة العجم والعربي الفصيح أن يقال: سألت الرجل عن المسألة، والعجم قد تقول سألت المسألة عن الرجل وتركيب الكلمات في كل لغة توقيفي بوضع الواضع ولا يجوز كيف ما اتفق، وقال بعض الاصوليين من أهل عصرنا: إن المركبات لا وضع لها غير وضع المفردات، وليس كذلك وإنما نشأ خطؤهم من عدم التتبع وقلة التدبير ومثله كثير في اصولهم، وأما قوله: «صنائع ربنا» فالصنيع ليس بمعنى المخلوق، بل الخاص بالتربية والعناية وصنيعك من ربيته وعلمته وأحسنت إليه وعنيت بمصالحه من خواصك ومواليك وأولادك وغيرهم. (ش)
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست