باب لزوم الحجة على العالم وتشديد الأمر عليه * الأصل:
1 - علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: «يا حفص، يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: يا حفص، يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد) إخبار بأنه قد تقع المساهلة في حق الجاهل دون العالم، والمقصود أنه يغفر للجاهل ذنوب كثيرة قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد; لأن العرب كثيرا ما تعبر بهذا العدد عن الكثرة، ويحتمل أن يراد هنا خصوص هذا العدد أيضا.
والوجه فيه على التقدرين أنه قد تقرر في الحكمة العملية أن فعل الواحد قد يقع في مقابل أفعال كثيرة كحسن تدبير صاحب العسكر، فإنه يقع في مقابل محاربتهم ومقاتلتهم جميعا، بل قد يزيد ويغلب على أفعال كثيرة كسوء تدبيره، فإنه يغلب على أفعال العسكر ومقاتلتهم حتى أنهم يقتلون به جميعا وذلك إما لقوة سببه، أو لعظمة آثاره المترتبة عليه، أو لغير ذلك من الامور الخارجة عنه، إذا عرفت هذا فنقول: ذنب العالم في مقابل ذنوب كثيرة من الجاهل وأعظم منها بمراتب لقوة سببه وعظمة آثاره.
أما الاولى فلأن ذنبه منبعث من شدة شوقه وميله إليه وقوة عزمه له وشدة قوته الشهوية والغضبية وكمال انقياده وإطاعته لهما حتى تغلب هذه الأسباب الوهمية والخيالية على قوته النظرية العاقلة العالمة بالقبح والشناعة وتعمى بصيرتها فسبب ذنبه أعظم من سبب ذنب الجاهل; إذ الجاهل يكفيه أدنى سبب لعدم المعارف.
وأما الثانية فلأن أثر ذنبه - وهو مخالفة الباري المعروف عنده بصفاته وقدرته وجبروته وغلبته وغضبه وعلمه بجميع المعلومات كليها وجزئيها إلى غير ذلك من آثاره سبحانه - أعظم جدا من أثر ذنب الجاهل، لأنه لم يعرف سبحانه مثل معرفة العالم، وإنما سمع شيئا ولم يعرف حقيقته، وإذا تفاوتت الأسباب والآثار قوة وضعفا تفاوتت الأفعال أيضا لذلك فبهذا الاعتبار ذنب العالم يقابل