شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٠
(إلا الكف عنه والتثبت) أي عدم الأخذ به قولا وفعلا واعتقادا وعدم المبادرة إلى إنكاره بل اللازم عليكم التثبت.
(والرد إلى أئمة الهدى) الذين حازوا كل كمال ومكرمة بإلهام إلهي وفازوا بكل فضيلة ومنقبة بتعليم نبوي وتقدسوا عن كل رذيلة ومقدرة بتقديس رباني فعلموا ما كان وما يكون وما تحتاج إليه الامة إلى قيام الساعة.
(حتى حملوكم فيه على القصد) أي على العدل والعلم والقول والفعل والعقد وهو الوسط بين طرفي الإفراط والتفريط.
(ويجلوا عنكم فيه العمى) أي يكشفوا عنكم عمى بصيرتكم ويوضحوا لكم سبيل هدايتكم لتشاهدوه بنظر صحيح وتأخذوه بنص صريح.
(ويعرفوكم فيه الحق) لئلا تزيغ عنه قلوبكم ولا تميل إلى الباطل صدوركم فتخلصوا من الاقتحام في الشبهات والتورط في الهلكات، ثم علل وجوب الرد إليهم بقوله:
(قال الله تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)) أهل الذكر هم العترة من نبينا (صلى الله عليه وآله) الذين جعلهم الله تعالى هداة إلى صراطه في بيداء الضلالة ودعاة إلى حضرة قدسه في ظلمات الجهالة وقارن طاعتهم بطاعة الرسول وطاعته، فقال جل شأنه: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم)، قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) في تفسير هذه الآية: «الذكر محمد ونحن أهله المسؤولون» (1).
* الأصل:
11 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة، قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «وجدت علم الناس كله في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري) هو سليمان بن داود.
(عن سفيان بن عيينة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: وجدت علم الناس كله في أربع) أي العلم النافع الذي لا تحصل النجاة إلا به (2).

1 - سيأتي في كتاب الحجة إن شاء الله تعالى.
2 - جعل العلوم هنا منحصرة في أربعة، وسابقا في ثلاثة: آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة، ولا منافاة في اختلاف التقسيم باختلاف الاعتبارات.
والحاصل من جميعها: أن العلم الذي يعتبر عند الله تعالى علما هو العلم به وبحكمه تعالى، وأما سائر العلوم فإن كان المقصود منها التوسل إلى معرفة الله وما يتبعها فهي منها، وإن لم يكن المقصود هنا إلا الدنيا وإصلاح أمرها فلا يعتد به وإن لم يفد فائدة في الدنيا ولا في الآخرة فالأمر واضح.
مثلا العلوم الطبيعية إن استفيد منها معرفة الله تعالى بأن ينظر إلى آيات قدرته في المخلوق فيدرك عظمة الخالق فهو باب من معرفة الله استدل الفلاسفة الإلهيون بها على علمه وحكمته، والعلوم الرياضية إذا استفيد منها معرفة الوقت والقبلة وتقسيم المواريث والوصايا كان من علم الدين أيضا، وإذا اريد بها تكميل الصنائع والطب ومعرفة خواص الأشياء للدنيا ولم يستفد منها الفساد والقتل كان حسنا إلا أنها أدون من علم الدين في الحقيقة، وفي نظر الناس أيضا فإنهم مجبولون على تعظيم الأنبياء ونقل كلامهم وحفظ تاريخهم وذكرهم; لأنهم جاؤوا بمعرفة الله وترويج الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة، ولم يضبطوا تاريخ مخترعي الصناعات ومكتشفي قواعد العلوم، بل لا يعرفونهم ونسوهم ونسوا أسماءهم فلا يعلم أحد أول من اخترع الزجاج وأول من عرف كروية الأرض، وكان مثل ذين أهم في قديم الزمان من اختراع المكائن واكتشاف صناعات عصرنا، ويعرفون إبراهيم وموسى (عليهما السلام) ويصلون عليهما كلما ذكرا وكذلك من وافق قوله قول الأنبياء من الفلاسفة واشتهر أرسطو وأفلاطون وسقراط من الإلهيين ولم يشتهر غيرهم إلا من ناحيتهم حيث نقلوا أقوالهم للرد عليهم كذيمقراطيس، وهذا يدل على أن العلم الإلهي أهم وأقوم عند الناس وأنهم مجبولون على العناية به كما يدل عليه هذا الحديث. (ش)
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست