شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٨
بحسب تصور المنفعة منه وكان الناس منهم من يحسن العلم والعمل والآخرة ويريدها، ومنهم من يحسن الدنيا وزهراتها ويريدها، ويميل كل واحد منهما إلى مراده تحصيلا لما يعتقده خيرا ولذة وسعادة شبه المراد المرغوب إليه بالأب وأثبت له الابن لإفادة تلك المشابهة، ويحتمل أن يكون المراد أن الناس أبناء ما يعلمونه فإن كان لهم علم ومعرفة ودين فلهم الشرف والحسب بهذا النسب الروحاني ولهم الافتخار به وإلا فلا شرف ولا حسب لهم وليس لهم إظهار النسب والافتخار بالنسب الجسداني والقصد فيه أن الشرف منحصر في النسب العلمي والديني ولا عبرة بشرف يدعى من جهة النسب الجسد.
(وقدر كل امرئ ما يحسن) أي قدر كل رجل، والعزة والشرف في الدنيا والآخرة ما يعلمه، فإن لم يكن له علم فلا يقدر له، وإن كان له علم فله قدر وشرف بقدر علمه، وما يتبعه من العمل لله والمحبة له والميل إليه والإعراض عن الدنيا، ويتفاوت ذلك بحسب تفاوت درجات العلم والعمل والمحبة، وهذه الكلمة أيضا من جوامع الكلم التي جاءت على أشرف السياقة وألطف البلاغة، ولما أشار إلى أن قدر الرجل وشرفه بالعلم حث على إظهاره بقوله:
(فتكلموا في العلم تبين أقداركم) تبين مجزوم بالشرط المقدر بعد الأمر، وأصله تتبين حذفت إحدى التائين للتخفيف، وفي نهج البلاغة: «تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه» أي حال المرء بحذف المضاف المخبوء المستور، يعني أن الرجل إذا تكلم يتضح حاله ويظهر كونه فصيحا أو معجما، عالما أو جاهلا، خيرا أو شرا، وإن لم ينطق كان جميع ذلك مستورا عليه عند العامة، وفيه رجحان المكالمة والمباحثة في العلم لإظهار القدر والمرتبة وكان ذلك إذا كان المقصود إظهار القدر لهداية بني نوعه إلى المقاصد الدينية، وهذا راجح قطعا بل قد يكون واجبا لأن العالم بعد تكميل جوهره بالعلوم والكمالات اللائقة وعلمه بصراط الحق كان مأمورا بهداية الخلق وإرشادهم إليه، وذلك لا يتم ولا يتمشى إلا بأن يعلموا أن له منزلة رفيعة وشرفا جسيما وقدرا عظيما في العلم، ولا يحصل لهم العلم بذلك إلا بأن يتكلم في العلوم والمعارف ليظهر قدره وشرفه بحيث لا يقدر أحد على إنكاره، وهكذا كانت حال الأنبياء والرسل في إظهار حالهم وقدرهم بالمعجزات والدلالات.
* الأصل:
15 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول وعنده رجل من أهل البصرة يقال له: عثمان الأعمى، وهو يقول: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار، فقال أبو جعفر (عليه السلام): «فهلك إذن مؤمن آل فرعون، ما زال العلم مكتوما منذ بعث الله نوحا (عليه السلام) فليذهب
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»
الفهرست