كأجر سائر الطاعات البدنية لا كأجر الفقاهة التي هي من الصفات القلبية والطاعات العقلية ولا دلالة فيما نقله من الحديث النبوي إلا على كون الحافظ لألفاظ الحديث مرحوما لا على أن له في القيامة درجة العلماء والثاني هو المبحوث عنه دون الأول، وقوله: «من تشبه بقوم فهو منهم» (1) على تقدير جريانه في كل نوع لا يفيد هنا; لأن التشبه غير محقق هنا; إذ العلم من الامور العقلية الباطنية وأنى يحصل التشبه بالعالم بمجرد حفظ الألفاظ المسموعة؟ والحق أن للحفظ مراتب كثيرة مرجعها إلى ثلاثة:
الاولى: حفظ صور الألفاظ إما في الخيال أو في الكتابة.
الثانية: ذلك مع حفظ معانيها الأولية التي تصل إليها أفهام أكثر الناس.
الثالثة: ذلك مع حفظ معانيها العقلية وحقائقها العرفانية والعمل بها.
ولكل واحد من الحفظة أجر وثواب على حسب مقامه ومرتبته، والأظهر عند من له بصيرة قلبية أن المراد بالحفظ هنا الذي يستحق به الحافظ أن يبعثه الله يوم القيامة عالما فقهيا هو الحفظ بالمعنى الثالث. وأما غيره من أقسام الحفظ فيترتب عليه أجر وثواب ولكن أجره من قبيل أجر الأعمال البدنية ونحوها، ومما يدل على أن العلم والعمل داخلان في مفهوم الحفظ المترتب عليه الجزاء المذكور ما رواه الصدوق بإسناده في الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله) في وصية علي (عليه السلام) وهو حديث طويل من أراد الاطلاع عليه فليرجع إليه.
بقي هنا شيء ذكره الشيخ (رحمه الله) وهو: أنه لو اشتمل الحديث الواحد على أحكام متعددة فلا شبهة ما في جواز الاقتصار على نقل البعض بانفراده إذا لم يكن متعلقا بالباقي، ونقل العلامة في نهاية الاصول الاتفاق على ذلك كقوله (صلى الله عليه وآله): «من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن ستر على أخيه ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (2)، فهذا حديث واحد ويجوز الاقتصار على نقل كل واحد من الأربع بانفراده منقطعا، فيقال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا، وأما ما