شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٢
شرك خفي ولا يكون موحدا مطلقا، فإذن التوحيد المطلق أن يبلغ العارف مرتبة الإخلاص ولا يعتبر معه غيره مطلقا.
وأما الرابعة فلأن من أثبت له صفة زائدة على ذاته - والصفة مغايرة للموصوف - لزم أن لا يكون مخلصا لملاحظته مع غيره ولأنه يلزم حينئذ تجزئة الواجب; لأن الواجب من هو مبدأ لجميع الممكنات ومن البين أن كل واحدة من الذات والصفة المغايرة له بدون الآخر ليس مبدأ له فالمبدأ إذن هو المجموع فيلزم تجزئة الواجب فيلزم إمكانه فالمتصور ممكن الوجود لا واجب الوجود فلا يكون العارف به عارفا بل هو جاهل وإلى هذه المراتب أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصفه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله» (1).
(والثاني أن تعرف ما صنع بك) من إنشائك في ظلمات الأرحام وشغف الأستار وإعطاء الوجود والقدرة وإفاضة النفس وقواها وتحسين البنية وتهذيب الصورة وتقويم الاعتدال وتسوية المثال وإيجاد الأعضاء الظاهرة والباطنة وتقدير منافعها من لسان لافظ وبصر لاحظ وقلب حافظ، ثم هدايتك بإرسال الرسول وإنزال الكتاب إلى المقامات العالية في الدار الباقية وما يعود إليك مما لا يعرف أحد قدره ولا يدرك وصفه لتفهم معتبرا وتصير مزدجرا وتنتقل إليه انتقالا من رحم هذه الدار وتسكن مع روح وراحة وسرور في منازل الأبرار، وأمثال هذه الامور التي صنعها بك وإن لم يمكنك أن تعرف كلها على التفصيل كيف وقد قال بعض المحققين إظهارا لعجزه: إني كتبت أزيد من ألف ورقة في تشريح الأعضاء وبيان منافعها (2) وبعد لم أذكر وصف قطرة واحدة من بحر إحسانه وإفضاله تعالى شأنه؟ ولكن بحكم ما لا يدرك كله لا يترك كله ينبغي لك أن تصرف العمر في معرفة قدر يمكنك الإحاطة به بعون الله تبارك وتعالى.
(والثالث أن تعرف ما أراد منك) من الإتيان بالطاعات والانتهاء عن المنهيات والإقرار بالرسول الأمين والأئمة الطاهرين والملائكة المقربين والكتاب المبين والاتصاف بالشجاعة والعفة والحلم

1 - النهج - قسم الخطب، تحت رقم 1.
2 - وألف في زماننا كتب في التشريح ومنافع الأعضاء أكثر من ألف ورقة أيضا في بلاد الإفرنج، ولا أظنهم بلغوا شيئا، والعجب من بعضهم حيث رأوا عجائب صنعه تعالى فصرفهم النظر في الصنع عن التفكر في الصانع فلم يؤمنوا بالله الحكيم. (ش)
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»
الفهرست