شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٠٧
بنور عقله بأن أمثال ذلك من المصائب بعد وقوعها لا ينفعه إلا الصبر والسكون واللجأ إلى الله تعالى وأن الحزن والجزع والاضطراب مصائب اخرى مهلكة فيصبر ويسكن ويفوض أمره وأمر خصمه الفاسق الكاذب إليه سبحانه ليكتسب بذلك أجر الصابرين ويحفظ نفسه عن الهلاك فمن انزعج واضطرب وتحرك نحو الانتقام علم أنه ليس بعاقل لجهله مضرة ذلك ومنافع الصبر.
(ولا بحكيم من رضي بثناء الجاهل عليه) الحكيم من استكمل فيه الجوهر الإلهي بالعلم (1) والمعرفة، واتصف بالحلم والعفة وحصل له باجتماع هذه الامور هيئة العدالة ومن صفاته اللازمة أن يستحقر نفسه بملاحظة عظمة الله وكبريائه ولا ينظر إلى غيره تعالى بل لا يرى لغيره وجودا، فمن رضي بثناء الناس عليه - وعبر عنهم بالجاهل لأن من أثنى على الناس فهو جاهل - لم يتصف بالحكمة ولا يطلق عليه اسم الحكيم; لأن رضاه بذلك بسبب غلبة قوته الشهوية وطغيانها وميلها إلى مشتهياتها وذلك ينافي معنى الحكمة كما عرفت.
وأيضا رأى لنفسه وجودا وعظمة وذلك مناف لصفاته اللازمة له، وأيضا الحكيم يعلم بنور حكمته أن ثناء الجاهل لا يزيده كمالا ولا يفيده شرفا وأن الشريف من جعله الله تعالى شريفا، فثناء الجاهل عنده كعدمه فلا يرضى به ولا يفتخر، وأيضا الحكيم يعلم أن بينه وبين الجاهل مباينة وتضادا وأن ضد أحد لا يميل إليه إلا لغرض ما فيعلم أن الجاهل لا يميل إليه ولا يثنيه إلا الاعتقاد أنه جاهل مثله أو لقصد استهزائه وسخريته أو لقصد خداعه، والحكيم لا يرضى بشيء من ذلك وأيضا الحكيم يعلم أن الجاهل لا علم له بمراتب الكمال فهو في المدح له والثناء عليه إما مفرط أو مفرط، والحكيم لكونه على الوسط لا يرضى بثنائه.
(الناس أبناء ما يحسنون) أي ما يعلمونه أو يعدونه حسنا، فإن كانوا يعلمون العلم والعمل والآخرة فهم من أبناء الآخرة وإن كانوا يعلمون الدنيا وزهراتها ولا يتجاوز فهمهم إلى ما ورائها فهم من أبناء الدنيا، وهذا من لطائف كلامه وأوجز خطابه (عليه السلام)، وفيه استعارة مكنية وتخييلية.
ووجه الاستعارة: أن الابن لما كان من شأنه أن يميل إلى أبيه إما ميلا طبيعيا أو ميلا عرضيا

١ - أراد بالجوهر الإلهي روحه المجرد، فإن الروح من أمر الرب كما في القرآن الكريم، وكما له بالعلم والمعرفة أي بمعرفة الله وملائكته وكتبه ورسله والدار الآخرة لا بالعلم بالرياضيات والطبيعيات وأمثالها مما يفيده في استصلاح حياته الدنيوية فقط; لأن هذه غايتها الإنسان لأنها اخترعت لأجل الإنسان وليست غاية للإنسان، ولو كانت هي كمالا له كان أمثال ذيمقراطيس وبقراط أفضل من أبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي، وقول الشارح: «لا يرى لغيره وجودا» معناه أن كل ممكن وجوده ربطي ولا ينظر إليه بنفسه كما حققه صدر المتألهين (قدس سره) وليس الوجود الحق الإله تعالى، فمن عرف ذلك لا يرضى بثناء الجاهل عليه لأن غيره تعالى ليس بشيء. (ش)
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست