بمن يحمل الثقل عن السلطان واستعارة لفظ المشبه به وهو الوزير للمشبه وذكر الإيمان قرينة لها والعلم كلام مستأنف مبين للمشبه.
والثالث: أن يكون فيه مجاز مرسل بإطلاق لفظ الوزير على ناصر الإيمان ومعينه، وهو العلم من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم، ومثل هذه الوجوه يأتي في العبارات الباقية.
(ونعم وزير العلم الحلم) وهو كون النفس مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بتوارد المكاره بسهولة، ولا تقع في شغب عند مشاهدتها بعين العلم بالخيرات، والشرور في التزام الأول، والاجتناب عن الثاني، إذ لولا العلم لوقعت النفس في مهاوي المهالك واختل نظامها ولا ينفعها مجرد العلم في ضبط الممالك الروحانية كما أن السلطان الظاهر لا ينفعه علمه بأحوال مصالح الرعايا ومضارهم إذا لم يكن له حلم وكانت له نفس ظالمة آمرة له بارتكاب مضارهم أو وزير مائل إلى الظلم آمر له به، وهو يتبعه في مفتريات أقاويله، فإن ذلك يؤدي إلى فساد أحوال مملكته وزوال نظام امور سلطنته.
(ونعم وزير الحلم الرفق) الرفق هو فرع العفة التي هي الاعتدال في القوة الشهوية الجاذبة للمنافع، ونوع من أنواعها، يعين الحلم الذي هو فرع الشجاعة التي هي الاعتدال في القوة الغضبية ونوع من أنواعها; إذ لولا الرفق لوقع الجور في جلب المنافع وهو مستلزم للجور في القوة الغضبية الدافعة للمضار المتحركة نحو الانتقام ضرورة أن القوة الشهوية إذا تحركت إلى الجور في جلب المنافع تحركت القوة الغضبية إلى الجور في رفع المانع من حصول تلك المنافع، ويبطل بذلك بناء الحلم ونظامه، فظهر أن للرفق مدخلا عظيما في ثبات الحكم وبقاء نظامه، وهذا معنى وزارته للحلم.
(ونعم وزير الرفق العبرة) العبرة - بالكسر والتسكين - اسم من الاعتبار بمعنى الاتعاظ، وهي تعين الرفق وتوجب ثبات ملكته وبقاء القوتين المذكورتين على الاستقامة والتوسط بين الإفراط والتفريط، فإن من اتعظ بأحوال السابقين ونظر إلى آثارهم وتأمل من أين انتقلوا وارتحلوا وإلى أين حلوا ونزلوا وكيف انقطعت أيديهم عن قنيات هذه الدار الفانية وأصابتهم العقوبات الشديدة الدنيوية بسبب سوء أعمالهم وقبح أفعالهم واتباعهم لخرق النفس وسفاهتها وجور القوى وشقاوتها واتعظ أيضا بنعيم الدنيا وسرعة زوالها وبمكارهها وقرب افولها وانتقالها تبرد في قلبه الدنيا وما فيها وتنكسر سورة القوى ودواعيها، ولهذه الخصلة مدخل تام في ثبات الرفق بعباد الله، إذ لولا تلك الخصلة لأمكن أن تميل النفس إلى الخرق بهم في جميع المشتهيات كما هو مقتضى طبيعتها وإلى الغلبة عليهم في جميع المقتنيات كما هو سجيتها، وقيل: المراد بالعبرة العبور العلمي