شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٨٣
والثاني إلى تكميل القوة العملية; إذ قد يطلق العقل عليها ويقال لها: العقل العملي، ولما ذكر الأصناف الثلاثة وغاية مقاصدهم من طلب العلم أراد أن يذكر جملة من أوصاف كل واحد منهم ليعرفوا بها فقال:
(فصاحب الجهل والمراء مؤذ ممار) أي مؤذ بالحركات الشنيعة والأقوال الخشنة عند المباحثة والمحاورة، منازع مجادل مع السفهاء، بل مع العلماء عند المناظرة; لأن نفسه سبع مشخص، لها جوارح مثله مع زيادة هي جارحة اللسان التي هي أقوى الجوارح فيؤذي غيره ويفرسه بالشتم والخشونة ويغضب عليه بأدنى سبب ويجادل العلماء والسفهاء كل ذلك لطلب التفوق عليهم، ونسبة الحقارة إليهم أو بمجرد التذاذه بالغلبة كما هو دأب أكثر السفلة والجهلة.
(متعرض للمقال في أندية الرجال) المقال مصدر كالقول، والأندية جمع الندي على فعيل كأرغفة جمع رغيف، والندي والنادي والندوة مجلس القوم ومتحدثهم ما داموا يندون إليه أي يجتمعون، فإن تفرقوا فليس بندي، ومنه سميت دار الندوة التي بناها قصي لأن قريشا كانوا يندون ويجتمعون فيها للتشاور، ثم صار علما لكل دار يرجع إليها ويجتمع فيها، وإنما تعرض للمقال في أندية الرجال لعلمه بأن مقصوده وهو إظهار فضله وكماله ونشر منقبته وحاله وطلب ما يترتب عليها التفوق والتفاخر والجاه والمال لا يحصل إلا بجداله ومقاله فيها.
(بتذاكر العلم وصفة الحلم) متعلق بالمقال أو حال عنه، يعني مقاله في الأندية بذكر العلوم الدينية والمسائل الشرعية والمعارف الإلهية، وذكر أوصاف الحلم وما يتبعه ويندرج فيه من أنواعه وذكر كماله في الإنسان، وغرضه من ذلك أن يظهر علمه بها وأن يخدع الرجال بأن قوته الفكرية وقوته الغضبية واقعتان على الاعتدال وواقعتان في الأوساط كما هو شأن العدول، يعني الاولى متحلية بالعلوم والحقائق، والثانية متحلية بالفضائل التي منها الحلم وتابعة للاولى غير متجاوزة عن حكمها.
(قد تسربل بالخشوع) السربال بالكسر القميص وسربلته أي ألبسته السربال فلبسه والخشوع التذلل والخضوع وهو كما يكون للقلب بإعراضه عما سواه تعالى بحيث لا يكون فيه غير الميل إلى العبادة والمعبود كذلك يكون للجوارح بصرفها فيما خلقت لأجله، والمقصود أن صاحب الجهل يظهر أنه صاحب هذه الخصلة الفاضلة ومندرج في سلك الخاشعين ومتصف بزيهم، ولا يخفى ما في هذا الكلام من المكنية والتخييلية.
(وتخلى عن الورع) بجميع أنواعه يعني عن ورع التائبين وهو ما يخرج به الإنسان عن الفسق ويوجب قبول شهادته ومن ورع الصالحين وهو التوقي من الشبهات لخوف سقوط المنزلة بارتكابها
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست