شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٧٥
وتكميل نظامه أثبت له الاذن، فجاءت الاستعارة مكنية وتخييلية، إلا أنه تصرف في المشبه وانتزع منه هيئة الفهم وشبهها بالاذن في أن من خوطب بعلم لا يفهمه فهو بمنزلة من خوطب بلفظ لا يسمعه، أو في أن حصول المعارف والنكات والحقائق في قلبه من طريق الفهم كما أن حصول معاني الأخبار والأقوال في قلب الإنسان من طريق الاذن، فأطلق لفظ الاذن على تلك الهيئة مجازا أو يمكن أن يكون إطلاقها على الفهم باعتبار أنه غايتها، وعلى التقديرين فهو مؤيد لما ذهب إليه صاحب المفتاح من أن الاستعارة التخييلية مجاز، وأما ما ذهب إليه صاحب التلخيص وغيره من أنها حقيقة مستعملة في معناها الأصلي فهذا لا ينطبق عليه إلا بتكلف بعيد جدا، ومثل ما ذكرناه في هذه الفقرة يجري في أكثر فقرات هذا الحديث، ولا يصعب اعتباره فيها لمن هو عارف بالعربية.
(ولسانه الصدق) سمى الصدق لسانا لأن الصدق غايته أو لأنه شبه صدق العلم بمعنى مطابقته للواقع باللسان; لأن صدقه ينفع ويفيد كاللسان أو لأن صدقه سبب لزيادته إذ العلوم الحقة تتكامل بحسب تكامل الاستعداد ويتسبب بعضها لحصول بعض آخر كما أن اللسان سبب لزيادة الاقتدار بالوعد والوعيد والأمر والنهي.
(وحفظه الفحص) أي البحث والتفتيش في حقيقة ما حصل وتحصيل ما لم يحصل، والتعبير عن الحفظ بالفحص تعبير عن المسبب بالسبب، بناء على أن العلم صيد والفحص عنه قيد سبب لبقائه وحفظه.
(وقلبه حسن النية) من باب تسمية الحال باسم المحل أو من باب التشبيه إذ يفسد العلم بفساد النية وعدم خلوصها، ولا يترتب عليه ما هو الغرض من وجوده كما أن الرجل يفسد بفساد قلبه ولا يترتب عليه الآثار المطلوبة من وجوده.
(وعقله معرفة الأشياء والامور) أي تصورها والتصديق بأحوالها على ما هي عليه في نفس الأمر; لأن قوام العلم بتلك المعرفة كما أن قوام الإنسان بالعقل، ويحتمل أن تكون العلاقة هي السببية.
(ويده الرحمة) على المتعلمين; لأن الرحمة وهي الرقة والتعطف وسيلة لايصال العلم إلى غيره كما أن اليد وسيلة لايصال النعمة إلى الغير.
(ورجله زيارة العلماء) لأنه بزيارتهم تقتبس المطالب، كما أن الإنسان بالرجل يكتسب المآرب، ولولا زيارتهم لما انتقل العلم من صدر إلى آخر كما أنه لولا الرجل لما انتقل الإنسان من موضع إلى موضع آخر، وبالجملة لما شبه العلم بالإنسان وليس للعلم رجل حقيقة اعتبر آثار الرجل، أعني الزيارة فيه وسماها رجلا إما على سبيل التشبيه أو على سبيل السببية.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست