شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٨٢
وجه الاعتدال ووفق القوانين الشرعية والعقلية، وذلك بأن تشتغل النفس الناطقة باكتساب العلوم والمعارف حتى تحصل لها فضيلة العلم والحكمة وتشتغل القوة الغضبية والشهوية بمطالبهما ولا تتعديان في ذلك عن حكم العقل والشرع حتى تحصل للنفس فضيلة الحلم والعفة، والجائر جوره إما في حركة قوته الغضبية التي هي مبدأ الإقدام على الأهوال ومنشأ الشوق إلى التسلط والترفع وطلب الجاه ونحوها، وإما في حركة قوته الشهوية التي هي مبدأ طلب المشتهيات من الأموال والأسباب والأطعمة اللذيذة ونحوها.
وأما الجور في حركة القوة الفكرية فغير مراد هنا; لأنه خلاف الغرض، فهذه ثلاثة أصناف:
الأول العادل وهو الصنف الثالث. الثاني الجائر في القوة الغضبية وهو الصنف الأول. الثالث الجائر في القوة الشهوية وهو الصنف الثاني.
(فاعرفهم بأعيانهم) بالمشاهدة الذوقية والمعاينة القلبية، فإن أصحاب القلوب الصافية وأرباب المشاهدات الذوقية قد يعرفون خباثة ذات رجل بمجرد النظر إليه وإن لم يشاهدوا شيئا من صفاته.
(وصفاتهم) الآتية وغيرها بالمشاهدات العينية وخباثة صفاتهم مظهر لخباثة ذواتهم والغرض من هذه المعرفة هو التمييز بين المحق والمبطل، وبين الهادي والمضل.
(صنف يطلبه للجهل والمراء) المراء بكسر الميم مصدر بمعنى المجادلة، تقول: ماريت الرجل اماريه مراء إذا جادلته، والمراد بالجهل هنا الاستخفاف والاستهزاء; لأن ذلك شأن الجهال، ومنه قوله تعالى حكاية: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) بعد قولهم: (أتتخذنا هزوا)، وقيل:
المراد به الأنفة والغضب والشتم ونحوها مما يصدر من أهل الجاهلية، وقيل: هو أن يتكلف القول فيما لا يعلمه فيجهله ذلك، وقيل: هو المفاخرة والكبر والتجبر.
(وصنف يطلبه للاستطالة والختل) استطال عليه أي تطاول وترفع من الطول في الجسم; لأنه زيادة فيه، والختل بفتح الخاء المعجمة والتاء المثناة من فوق الخدعة، يقال: ختله يختله من باب ضرب إذا خدعه وراوغه وختل الدنيا بالدين إذا طلبها بعمل الآخرة وختل الذئب الصيد إذا تخفى له، ولا يبعد أن يكون الاستطالة بالنسبة إلى العلماء والختل بالنسبة إلى العوام والجهلاء.
(وصنف يطلبه للفقه والعقل) أي صنف يطلب العلم لتحصيل البصيرة الكاملة في الدين والتطلع إلى أحوال الآخرة وحقارة الدنيا وتكميل النفس بتحليها بالفضائل وتخليها عن الرذائل إلى أن يخرجها من حضيض النقص إلى أوج الكمال، ومن حد القوة إلى العقل بالفعل، ويمكن أن يكون الأول إشارة إلى تكميل القوة النظرية، فإن الفقه يعني معرفة الأشياء والبصيرة المذكورة من آثاره.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست