ومن ورع المتقين وترك الحلال الذي يتخوف منه أن ينجر إلى الحرام كترك التكلم بأحوال الناس لمخافة أن ينجر إلى الغيبة ومن ورع السالكين وهو الإعراض عن غيره سبحانه خوفا من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة القرب منه، فانظر أيها اللبيب إلى هذا الفقير المسكين كيف أغواه قرينه وحمله على غاية الجور وحيره في أمره بحيث يتشبث تارة بظاهر الجور لظنه أنه أصلح له في تحصيل مقاصده الفاسدة فيؤذي ويمتري، ويتمسك تارة بظاهر العدل لزعمه أنه أنفع له في تكميل مطالبه الزائلة فيظهر العلم والحلم والخشوع، وهو في الحالتين يجعل القوة النطقية تابعة للسبع خادمة له في تنظيم متمنياته وتتميم مقتضياته.
(فدق الله من هذا) أي من صاحب الجهل والمراء، أو من أجل عمله هذا العمل.
(خيشومه) هذا دعاء عليه، وكناية عن جعله ذليلا خائبا خاسرا غير واجد لما قصده مثل رغم الأنف، والخيشوم الأنف ويجمع على خياشيم، وقيل: هي عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ.
(وقطع منه حيزومه) الحيزوم بفتح الحاء المهملة والياء المثناة من تحت، والزاي المعجمة وسط الصدر، وفي القاموس: هو ما استدار من الظهر والبطن وضلع الفؤاد ما اكتنف الحلقوم من جانب الصدر. وهذا أيضا دعاء عليه وكناية عن إهلاكه واستئصاله بالمرة لقطع ما هو مناط الحياة.
(وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق) الخب بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة مصدر بمعنى الخدعة والغش، تقول: خببت يا رجل تخب خبا مثال عملت تعلم علما، وأما الخب بالكسر أو الفتح بمعنى الرجل الخداع فغير مناسب هنا، ومنهم من ضبطه بضم الحاء المهملة والباء الموحدة المشددة، والملق بالتحريك اللطف الشديد والتودد فوق ما ينبغي باللسان وحده من غير أن يكون في القلب منه أثر، يقال: ملق بالكسر يملق ملقا ورجل ملق بكسر اللام يعطي بلسانه ما ليس في قلبه.
(يستطيل على مثله من أشباهه) أي على من يماثله ويشابهه في الرتبة والعز أو في العلم والفضل.
(ويتواضع للأغنياء من دونه) أي ممن هو دونه في الرتبة والمنزلة وخسيس بالنسبة إليه أو ممن هو دونه في العلم والفضل أو ممن هو غير صنفه الذي هو طلبة العلم ولفظ «من» مع مدخوله في الموضعين إما بيان لما يليه أو حال عنه، وإنما اعتبر المماثلة في طرف الاستطالة والأدونية في طرف المتلق والتواضع لأن ذلك أدخل في إظهار قبح فعاله وركاكة ذاته وشناعة صفاته.
(فهو لحلوانهم هاضم) الحلوان بضم الحاء المهملة وسكون اللام ما يأخذه الحكام والقضاة