مع أنه ليس بعالم ولا حكيم قطعا; لعدم اتصاف نفسه بمعنى العلم والحكمة، فإن من الناس من يجمع مسائل العلوم ويحفظها ويحفظ نكاتها ودقائقها التي أخذها بطريق التقليد ويؤديها إلى غيره في المحاورات والمناظرات على وجه يتعجب منه المستمعون ويحملون ذلك على وفور علمه وكمال فضله وهو فاقد في نفس الأمر لثمرة العلم وفائدة الحكمة، أعني وثوق النفس وبرد اليقين وليس حاصل فوائده وخلاصة عقائده إلا التشكك والحيرة، ومثله في تقرير العلوم مثل بعض الحيوانات في حكاية أفعال الإنسان ومثل الأطفال في التشبه بأفعال البلغاء فأفعاله وآثاره شبيهة بأفعال العلماء وآثارهم وقلبه مباين لقلوبهم ثم لكون مصدر العلم والحكمة هو النفس دون الظواهر يقع الاشتباه بينهم وبين العالم الرباني وهو الحكيم العادل الذي أشرقت نفسه بإشراقات الحكمة الإلهية وتنو قلبه بأنوار العلوم الربانية ووقع التعديل في قواه الظاهرية والباطنية والتقويم في أفعاله وأحواله وأقواله الصادرة منه بحيث لا يخالف بعضها بعضا وطابق ظاهره باطنه وهو الذي ينطق بالحق ويعمل به ويدعو إليه، وأما المتشبه به فلعدم تأثر ذهنه بالحكمة وعدم انقياد قلبه للعلم صار عقله مغلوبا في الشهوات، خادما للنفس الداعية إلى اللذات فغاية همه الدنيا وما فيها ونهاية جهده طلب زخارفها الفانية بما يظهر منه الكمال وغيره، وهكذا حاله إلى أن يموت فيغرق في سوء أعماله وقبح آثاره. وما نقلناه منه (رحمه الله) أخذناه في مواضع من كلامه، والله ولي التوفيق وإليه هداية الطريق.
(١٧٠)