شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٦٤
حدثه، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء) أي ليفاخر به العلماء ويغلبهم ويتعظم عليهم بمأثرة العلم ومكرمته.
(أو يماري به السفهاء) أي يجادل به السفهاء، وينازع به الجهلاء الظاهرين في زي العلماء والعاجزين عن استعمال القوة الفكرية على نحو ما ينبغي، وذلك ليقول العوام: إنه عالم فاضل ماهر في العلم مبارز في المناظرة غالب في المباحثة، وإنما ذكر (عليه السلام) مفاخرته بالنسبة إلى العلماء ومجادلته بالنسبة إلى السفهاء لأن العلماء يسكتون إذا بلغت المباحثة إلى حد المجادلة لعلمهم بقبحها، فتبقى له المفاخرة عليهم بالغلبة والاسكات، بخلاف السفهاء فإنهم لا يبالون بالمجادلة ولا يعلمون قبح المناقشة والمنازعة، فيقولون كما يقول ولا يسكتون تحرزا عن الالزام وإن قام بينهما القتال والجدال.
(أو يصرف به وجوه الناس إليه) طلبا للحكومة بينهم والرئاسة عليهم، وقصدا إلى الغلبة والاشتهار، وتحصيلا للتفوق والاعتبار.
(فليتبوأ مقعده من النار) فليهيىء وليعد منزله من النار، يقال: تبوأ منزلا إذا هيأه أو فلينزل منزله من النار، يقال أيضا: بوأه الله منزلا أي أسكنه إياه، وتبوأ منزلا أي نزل فيه وسكنه، وفيه وعيد لمن طلب العلم للأغراض الدنيوية ومنافعها، وإنما ذكر هذه الثلاثة لأن غيرها من الأغراض الفاسدة على تقدير تحققه يعود إليها، ثم أشار إلى التعليل للوعيد المذكور بقوله:
(إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها) وهم الفائزون بالنفوس القدسية، والعالمون بالقوانين الشرعية، والعاملون بالسياسات المدنية، والمتصفون بالملكات العدلية، والآخذون بزمام نفوسهم وقواها في سبيل الحق على نحو ما تقتضيه البراهين الصحيحة العقلية والنقلية.
وبالجملة: إنما تصلح الرئاسة لمن يكون: حكيما عليما شجاعا عفيفا سخيا عادلا فهيما ذكيا ثابتا ساكنا متواضعا رقيقا رفيقا حييا سليما صبورا شكورا قنوعا ورعا وقورا حرا عفوا مؤثرا مسامحا صديقا وفيا شفيقا مكافيا متوددا متوكلا عابدا زاهدا موفيا محسنا بارا فائزا بجميع أسباب الاتصال بالحق، مجتنبا عن جميع أسباب الانقطاع عنه، فمن اتصف بهذه الفضائل وانقطع عن أضدادها من الرذائل وقعت الالفة بين عقله ونفسه وقواه، فيصير كل ما فيه نورا إلهيا، وتحصل لاجتماع هذه الأنوار هيئة نورانية يشاهد بها ما في عالم الملك والملكوت وينتظم بها نظام أحواله ويستحق الخلافة الإلهية والرئاسة البشرية في عباده وبلاده، ووجب عليهم الرجوع إليه في امور الدين والدنيا وأخذ العلوم منه والتسليم لأمره ونهيه والاتباع لقوله وفعله، ومن لم يبلغ إلى هذه الدرجة ولم ينزل في هذه المنزلة والمرتبة وتقلد أمر الرئاسة فهو من الجبت والطاغوت، حسبي الله ونعم الوكيل.
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست