الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ٢ - الصفحة ٧١٧
المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد لهو فيها حسنا) (1). فالحسنة مودتنا أهل البيت (2). ثم جلس فقام عبد الله بن العباس بين يديه فقال: معاشر الناس إن هذا ابن بنت نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه [فاستجابوا له، وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة] فتبادر الناس إلى بيعته (3).
(١) الشورى: ٢٣.
(٢) تقدمت تخريجاته.
(٣) وردت العبارة في الإرشاد للشيخ المفيد: ٢ / ٨ هكذا: فقام عبد الله بن عباس ((رحمه الله)) بين يديه فقال:
معاشر الناس هذا ابن [بنت] نبيكم ووصى إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس فقالوا: ما أحبه إلينا وأوجب حقه علينا، وتبادروا إلى البيعة له بالخلافة... ومثل ذلك في شرح النهج لابن أبي الحديد:
١٦ / ٢٩، ومقاتل الطالبيين: ٦٢، إعلام الوري: ٢٠٩، كشف الغمة: ٢ / ١٦٤، إثبات الهداة: ٥ / ١٣٩ و ١٣٤ و ١٣٦.
وقوله " ووصى إمامكم " قول فيه دلالة واضحة على أنهم يعلمون بأن الإمام علي (عليه السلام) وصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أوضحنا سابقا وأن الأئمة منصوص عليهم من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) ولذا يؤكد الإمام علي (عليه السلام) قبل وحين استشهاده على أن الإمام والخليفة من بعده هو الإمام الحسن (عليه السلام) ولذا جاء في العقد الفريد:
٤ / ٤٧٥: أن علي بن أبي طالب أصار الأمر إلى الحسن. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١ / ٥٧:
وعهد بها إلى الحسن (عليه السلام) عند موته. وفي المناقبللخوارزمي: ٢٧٨: أن جندب بن عبد الله دخل على علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين إن فقدناك فلا نفقدك فنبايع الحسن؟ قال: نعم...
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: ٦ / ٢٤٩:... لأن عليا أوصى إليه، وبايعه أهل العراق... وقال صاحب الأغاني: ٦ / ١٢١: وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه... ومثل ذلك في تيسير المطالب: ١٧٩. وفي إثبات الوصية: ١٥٢ وقال المسعودي: ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: واني أوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما... وقال في مروج الذهب: ٢ / ٤١٣: لأنهما شريكاه في آية التطهير، وهذا قول كثير ممن ذهب إلى القول بالنص... وفي إثبات الهداة: ٥ / ١٤٠: وعن علي: (عليه السلام) أنت يا حسن وصيي والقائم بالأمر بعدي... وفي الكافي:
١ / ٢٩٩: يا بني أنت ولى الأمر، وولى الدم.
وخلاصة القول: إن الشيعة أطبقت على أن عليا (عليه السلام) نص على ابنه الحسن. ولذا بعد استشهاده (عليه السلام) انثالوا عليه يبايعونه وهم " إنما يبايعون الله ورسوله " وأول من بايعه قيس بن سعد الأنصاري كما ذكر ابن خلدون: ٢ / ١٨٦ وابن الأثير: ٣ / ١٧٤ وابن الوردي: ١ / ١٦٦. وفي الإستيعاب: ١ / ٣٨٥ قال: بايعه أكثر من أربعين ألفا... وفي تهذيب التهذيب: ٢ / ٢٩٩ قال: بايع أهل الكوفةالحسن بن علي... وقريب من هذا في تاريخ الطبري: ٦ / ٩٣.
ومن هذا وذاك يتبين لنا خطأ كثير من المؤرخين كالمسعودي في التنبيه والأشراف: ٢٦٠ حيث يقول إن الإمام بويع بعد وفاة أبيه بيومين... والصحيح كما ذكرنا بويع صبيحة الليلة التي دفن فيها أمير المؤمنين (عليه السلام). وكذلك خطأ الأستاذ محمد فريد وجدي في دائرة المعارف: ٣ / ٤٤٣ حيث قال: بويع له في الخلافة قبل وفاة والده، ولما انتهت البيعة توفي والده... ولعل الأستاذ وجدي توهم ذلك من خلال سؤال الناس للإمام علي (عليه السلام) قبل استشهاده فقالوا: يا أمير المؤمنين أرأيت إن فقدناك ولا نفقدك أنبايع الحسن؟ وسؤالهم هذا عن البيعة للخلافة الظاهرية والحكومة والإمارة العرفية، ويدل على ذلك جريان الصلح والتفويض يومئذ لأن الولاية الحقيقية الإلهية غير قابلة للتفويض والإعراض.
ويتبين خطأ الأستاذ محمد الخضري أيضا في إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء حيث قال: نظر الحسن إلى بيعته في أنها ليست كبيعة أبيه لأنها ليست عامة، ولكنها قاصرة على شيعتهم من أهل العراق...
ونطرح السؤال هنا على الأستاذ الخضري: كيف تجيب على من قال قد بايعه أكثر من أربعين ألفا؟ اللهم إلا أن يعتبر الأستاذ الخضري توقف بعض ممن كان يرى رأي العثمانية ولم يظهروا أنفسهم بذلك بل هربوا إلى معاوية من البصرة، هؤلاء هم غالبية المسلمين، وإلا كيف يصور لنا قول المؤرخين فانثالوا عليه...؟ وكيف يفسر قول ابن قتيبة: أن الإمام كلما قصدته كوكبة من الناس لتبايعه يلتفت إليهم قائلا:
تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت وتسالمون من سالمت...؟ ونجد في بطون التاريخ أنه بايعه فقط من أهل الكوفة اثنان وأربعون ألفا، وكذلك بايعه أهل البصرة والمدائن وجميع أهل العراق وفارس على يد زياد ابن أبيه، وبايعه أهل الحجاز واليمن على يد جارية بن قدامة وما تخلف عن البيعة سوى معاوية كما تخلف عن بيعة أبيه (عليه السلام): وكيف يفسر الأستاذ كلمة ابن كثير في البداية والنهاية:
٨ / 41: وأحبوه أشد من حبهم لأبيه.
أما رأي الدكتور طه حسين في كتابه " علي وبنوه ": 195 فهو رأي عجيب يصدر من شخص أديب حيث قال: ومهما يكن من شيء فلم يعرض الحسن نفسه على الناس، ولم يتعرض لبيعتهم وإنما دعا إلى هذه البيعة قيس بن عبادة فبكي الناس واستجابوا وأخرج الحسن للبيعة... لا نريد أن نطيل في الجواب بل نقول كان على المؤرخ أن يرجع قليل إلى الوراء ليمعن النظر في خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) والتي أشرنا إليها سابقا، وأن يتحرى الدقة، وذلك أن الدعوة للبيعة كانت بعدما أنهى الإمام خطبته ولم تكن قبل الخطبة، وأن الذي دعا إليها هو عبد الله بن عباس، وأول من بايع قيس، وهنالك فرق أيها الدكتور بين أول من دعا وأول من بايع، فتأمل يرحمك الله.
وهذا مثل قول ابن خلدون: 2 / 188 والذي جافى فيه الحقيقة وتسامح في تحقيق الحكومة الإسلامية وعمم مفهومها وقال معلقا على حديث " الخلافة في أمتى ثلاثون سنة... " كما جاء في سنن الترمذي: 323: إن معاوية تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة... مع أن كتب التاريخ تؤكد أن بني أمية هم ملوك ومن شرار الملوك فكيف يساويهم في الفضل والعدالة والصحبة وهم بني الزرقاء مع أن الخليفة الحق بواجب عليه أن يتصدى بذلك الأمر ويعدو عده ويتوسل حتى يحتاز الحكومة الظاهرية والإمارة العرفية، وأن الناس بعد بيان تكاليفهم مختارون في اتباع الحق وإطاعة الأمر والعمل بالحكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
نعم، على الناس أن يختاروا خليفة الحق ويتبعوا سبيله ويطيعوا أمره ويهتدوا بهداه (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الامر منكم) وقوله (صلى الله عليه وآله): أنى تارك فيكم الثقلين... هذا مقام محفوظ ومرتبة روحانية ثابتة، لا مجعولة بجعل الناس واعتبارهم، ولا مقدرة بانتخابهم واتفاقهم، ولا مربوطة بالمقامات الدنيوية المادية. والنصوص الدالة على خلافته الحقيقية الإلهية قد ذكرناها سابقا، من حسبه ونسبه وبعد ميلاده... وأنهما سيدا شباب أهل الجنة... ومن وآية التطهير... وأن الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا....