قال في البزازية أعاره إلى الليل فهلك: قيل لا يضمن، وإن هلك في اليوم الثاني ذكر في الكتاب أنه يضمن. قيل أراد به إن انتفع في اليوم الثاني به فيكون غاصبا مخالفا بالانتفاع بعد مضي الوقت، أما إذا لم ينتفع لا يضمن كالمودع الموقت باليوم إذا أمسكها بعده لا يضمن، وقال السرخسي:
يضمن على كل حال، واختاره القاضي، وفرق بين العارية والوديعة أن الامساك في الوديعة للمالك لأنه بعد مضي الوقت بنى على القبض السابق وهو كان للمالك، وفي العارية الامساك بعد مضي الوقت لنفسه، لأنه بنى على القبض السابق وذاك كان لنفسه وعدم الضمان في الوقت كان للاذن فلم يوجد بعد مضيه، ولأن مؤنة رد العارية على المستعير بالتقصير منه وفي الوديعة على المالك ا ه. ومثله في الخلاصة وجامع قارئ الهداية، قال فيه: وهذا هو الأصح، وبه أفتى في الحامدية، وأقره عليه سيدي الوالد رحمه الله تعالى في العقود الدرية، وقدمنا أوائل الكتاب عند قوله ولعدم لزومها يرجع المعير متى شاء ولو موقتة.
عن فتاوى القاضي ظهير الدين: إذا كانت العارية موقتة بوقت فأمسكها بعد الوقت فهو ضامن ويستوي فيه أن تكون العارية موقتة نصا أو دلالة حتى أن من استعار قدوما ليكسر الحطب فكسره وأمسك حتى هلك يضمن، وتمامه ثمة فراجعه. قوله: (لان مؤنة الرد عليه) أي أجرته عليه لان قبض العين لمنفعة نفسه والرد واجب عليه عيني، فيضمن إذا أمسكها بعد مضي الوقت لتقصيره فيكون مانعا بعد مضي الوقت فيضمن، بخلاف المستأجر، لأنه لا يجب عليه الرد بل التخلية عند طلب المالك، فلو لم يوجد لم يوجد المنع فلا يضمن، ولا يخفى ما في كلام الشارح من التكرار بعد كون ما سلف مفرعا عليه. قوله: (إلا إذا استعارها ليرهنها) أي فمؤنة الرد على المعير، لان فيها نفع المالك بصيرورتها مضمونة عند الهلاك، فجعلنا حصول النفع بمنزلة حصول الأجرة للمؤجر، ولذا قال فتكون كالإجارة. قوله: (فتكون كالإجارة) فإنها تصير مضمونة في يد المرتهن، وللمعير أن يرجع على المستعير بقيمته فكانت بمنزلة الإجارة، ولأن هذه إعارة فيها منفعة لصاحبها كما في الخانية، فقد حصل الفرق بين العارية للرهن وغيرها من وجهين: الأول هذا. والثاني ما مر في الباب عند قوله بخلاف المستعير والمستأجر أن مستعير الرهن لو خالف ثم عاد للوفاق برئ عن الضمان، بخلاف غيره، أفاده في البحر عن النهاية. قوله: (مؤنة الرد عليه) لأنه هو المنتفع بالعين ولوجوبه عليه ط.
قال القاضي فخر الدين المارديني: وهذا لا رواية فيه ويجب أن تكون على الموصى له بالخدمة لان قبضه لمنفعة نفسه فصار كالعارية ا ه. قوله: (وكذا المؤجر) لان العين المؤجرة مقبوضة لمنفعة المالك لان الاجر له به فإذا أمسكها المستأجر بعد مضي المدة لا يضمنها ما لم يطالبه صاحبه. ا ه. ولا يجب على المستأجر ردها، وإنما يجب عليه التمكين والتخلية، فلا يكون عليه مؤنة الرد. ولا يقال: قبضه كان لمنفعة نفسه فوجب أن تكون المؤنة عليه. لأنا نقول: إنما حصل له منفعة وهي عرض يفنى، وما حصل للمؤجر عين تبقى فكان هو بالوجوب أولى ا ه. زيلعي. قوله: والغاصب أي عليه أجرة رد المغصوب لان الرد إلى المالك واجب عليه والأجرة مؤنته فتجب عليه لأنه يجب عليه نسخ فعله وهو يردها إلى مالكها لأنه أزال يده عنها، ففي ردها براءة فكان عاملا لنفسه. قوله: (والمرتهن) لان قبضه قبض استيفاء فكان قابضا لنفسه. زيلعي، ومثله في الوجيز وهو الظاهر.