كتاب الهبة قال ط: هي من صفات الكمال، فإن الله تعالى وصف بها نفسه بقوله عز وجل: * (أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب) * (ص: 9) والبشر إذا باشرها فقد اكتسب من أشرف الصفات، لما فيها من استعمال الكرم، وإزالة شح النفس، وإدخال السرور في قلب الموهوب له، وإيراث المحبة والمودة بينهما، وإزالة الضغينة والحسد، ولهذا من باشرها كان من المفلحين، قال تعالى: * (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) * (الحشر: 9) ا ه. تبيين. قال الشمني: هي الأصل مصدر محذوف الأول معوض هاء التأنيث وأصلها وهب بتسكين الهاء وتحريكها ا ه. مكي. علة كعدة. عيني.
ويتعدى الفعل بنفسه، وباللام وبمن كما في أحاديث كثيرة، خلافا للمطرزي في أنه خطأ. وللتفتازاني في أنه عبارة الفقهاء ا ه. قهستاني.
قال المولى عبد الحليم: يقال وهب مالا وهبا وهبة وموهبة. والهبة قد تطلق على الموهوب.
قوله: (وجه المناسبة ظاهر) هو أن كلا منهما تمليك بلا عوض، ووجه تأخير الهبة عن العارية هو أنها تمليك عين ومنفعة بلا عوض، والعارية تمليك المنفعة بلا عوض فكانت العارية كالمفرد والهبة كالمركب والمفرد مقدم على المركب طبعا فقدم وضعا. قوله: (هي لغة التفضل على الغير) أي بما ينتفع به مطلقا. قوله: (ولو غير مال) قال الراغب: الهبة أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض. قال عز وجل:
* (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) * (الانعام: 48) ا ه. وقال تعالى: * (فهب لي من لدنك وليا) * (مريم: 5) وقال تعالى:
* (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * (الشورى: 94) والأولى أن يقول: ولو بغير مال.
قوله: (تمليك العين مجانا) هذا الحد غير مانع، إذ يصدق على الوصية فإنها تمليك العين بلا عوض والصدقة وغيرهما، اللهم إلا أن يقال: إن المصنف جرى على طريقة المتقدمين من جواز التعريف بالأعم والأخص ا ه. سري الدين عن المجتبى وزاد ابن الكمال قوله للحال لاخراج الوصية، وخرج الإباحة والعارية والإجارة والبيع وهبة الدين ممن عليه فإنه إسقاط وإن كان بلفظ الهبة. منح. قوله (أي بلا عوض) أي بلا شرط عوض على حذف مضاف، لكن هذا يظهر لو قال بلا عوض كما في الكنز، لان معنى مجانا عدم العوض لا عدم اشتراطه. على أنه اعترضه الحموي كما في أبي السعود بأن. قوله: بلا عوض نص في اشتراط عدم العوض والهبة بشرط العوض نقيضه فكيف يجتمعان ا ه. أي فلا يتم المراد بما ارتكبه وهو شمول التعريف للهبة بشرط العوض، لأنه يلزم خروجها عن التعريف حينئذ كما نبه عليه في العزمية أيضا.
قلت: والتحقيق أنه إن جعلت الباء للملابسة متعلقة بمحذوف حالا من تمليك لزم ما ذكر، أما لو جعل المحذوف خبرا بعد خبر: أي هي كائنة بلا شرط عوض على معنى أن العوض فيها غير مشروط، بخلاف البيع والإجارة فلا يرد ما ذكر، فتدبر. قوله: (إلا أن عدم العوض شرط فيه) وإلا لما شمل الهبة بشرط العوض.
والحاصل: أن المعتبر في الهبة تمليك العين سواء كان بعوض أو بلا عوض لما سيأتي من أن الهبة بشرط العوض صحيحة فليس عدم العوض شرطا في تحققها، فمعناه أن الهبة تتحقق ولا يشترط فيها