مرسلا من عدة وجوه كما ذكرنا ثم قال البيهقي (وذكر الشافعي آخذ بمرسل سعيد بن المسيب لان مراسيله أصح من مراسيل غيره ولأنه قد روى موصولا) قلت - أراد به حديث له غنمه وعليه غرمه - وقد أوله الشافعي فيما تقدم في باب زيادات الرهن (فقال غنمه زيادته وغرمه وهلاكه ونقصه) وقد ظهر بما ذكرنا ان الصحيح في هذا الحديث انه مرسل وذكر البيهقي في رسالته إلى أبى محمد الجويني ان الشافعي خالف مرسل ابن المسيب في بعض المواضع وقد ذكرنا في باب صدقة الفطر أن ابن المسيب روى حديثا مرسلا بسند صحيح وان الشافعي خالفه فعلى تقدير تسليم الاحتجاج بمرسله دون غيره قد ذكر أبو عمر أن ابن وهب رواه عن مالك فجود فيه وبين ان قوله له غنمه وعليه غرمه - ليس بمرفوع وانه من كلام ابن المسيب وعلى تقدير تسليم انه مرسل وانه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فليس نصا فيما زعم الشافعي بل هو تأويل منه وقد أنكر عليه ذلك التأويل فحكى عن أبي عمر غلام ثعلب أنه قال أخطأ من قال الغرم الهلاك بل الغرم اللزوم ومنه الغريم لأنه لزمه الدين وقال تعالى (ان عذابها كان غراما) اي لازما وفى الصحاح الغرامة ما يلزم أداؤه وكذلك المغرم والغرم وفى كتاب الافعال غرمت غرما لزمني مالا يجب على وقد فسر غير الشافعي الحديث بأشياء موافقة لما قاله أهل اللغة قال الهروي في الغريبين قال ابن غرفة الغرام عند العرب ما كان لازما والغرم أداء شئ يلزم ومنه الحديث له غنمه وعليه غرمه - فغنمه زيادته وغرمه أداء ما انفك به الرهن وقال أبو بكر الرازي الغرم الدين فيكون تفسيرا لقوله لا يغلق الرهن - أي لا يملك بالشرط عند محل الأجل ولصاحبه إذا جاء زيادته وعليه دينه الذي هو مرهون به وفى المهيد قال أبو عبيد لا يجوز في كلام العرب ان يقال الرهن إذا ضاع قد غلق إنما يقال قد غلق إذا استحقه المرتهن فذهب به وهذا كان من فعل الجاهلية فابطله النبي عليه السلام بقول لا يغلق الرهن - وقال مالك تفسيره فيما نرى ان يرهن شيئا فيه فضل فيقول للمرتهن ان جئتك بحقك إلى كذا والا فالرهن لك بما فيه فهذا لا يحل وهو الذي نهى عنه وبنحو هذا فسره الزهري والنخعي والثوري وطاوس وشريح - وفى القواعد لابن رشد أن أبا حنيفة وأصحابه تأولوا غنمه بما فضل منه على الدين وغرمه بما نقص ومعنى قوله وعليه غرمه عند مالك ومن قال بقوله أي نفقته وحكى صاحب التمهيد عن أبي حنيفة ومالك وأصحابهما في تأويل الحديث كما حكاه ابن رشد فالحاصل ان الشافعي احتج بمرسل ابن المسبب وأوله بتأويل أنكر عليه وأقل الأحوال انه يجعل غير ما ذكر مما تقدم من التأويلات وترك القول بالتضمين مع أنه منصوص عليه في عدة أحاديث قد تأيد بعضها ببعض وتأيدت أيضا بأقوال السلف من الصحابة والتابعين على أن مذهب ابن المسيب بخلاف ما تأول الشافعي حديثه به قال صاحب التمهيد قال شريح والشعبي وغير واحد من الكوفيين يذهب الرهن بما فيه كانت قيمته مثل الدين أو أكثر منه أو أقل ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشئ وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين إذا هلك وعميت قيمته ولم تقم بينة فان قامت بينة ترادا الفضل وهكذا قال الليث وقال بلغني ذلك عن علي بن أبي طالب انتهى كلامه - وابن المسيب من الفقهاء السبعة بلا خلاف - وفى مصنف عبد الرزاق انا معمر عن الحسن والزهري وقتادة وابن طاوس عن أبيه قالوا من ارتهن حيوانا فهلك فهو بما فيه - وقال أبو بكر الرازي اتفقت الصحابة على أنه مضمون وان اختلفوا في كيفية الضمان فالقول بأنه أمانة خلاف لاجماعهم - وروى الطحاوي بسنده عن أبي الزناد قال كان من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم ابن المسيب وعروة والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة وعبيد الله بن عبد الله في
(٤٢)