فحصلت الجناية الثانية والرقبة فارغة من جنايته متعلقة بها فصار بمنزلة الجناية المبتدأة فرق بين هذا وبين ما إذا حفر المكاتب بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها انسان ووجب عليه أن يسعى في قيمته يوم حفر ثم وقع فيها آخر انه لا يلزمه أكثر من قيمة واحدة سواء حكم الحاكم بالأولى أم لم يحكم ووجه الفرق ان هناك الجناية واحدة وهي حفر البئر فالضمان الذي يلزمه إنما يلزمه بسبب واحد فوقوع الثاني وإن كان بعد حكم الحاكم لكن بسبب سابق على حكمه فصار كأنه قتلهما دفعة واحدة فلا يلزمه الا قيمة واحدة فاما ههنا فقد تعددت الجناية والثانية حصلت بعد فراغ رقبته عن الأولى وانتقالها إلى ذمته فيتعدد السبب فيتعدد الحكم ولو سقط حائط مائل اشهد عليه على إنسان فقتله فعليه ان يسعى في قيمته لان المكاتب يملك النقض فيصح الاشهاد عليه كما في الحر ويجب عليه قيمة نفسه كما لو قتل آخر خطأ وكذلك إذا وجد في دار المكاتب قتيل فعليه ان يسعى في قيمته إذا كانت قيمته أكثر من الدية فينتقص منها عشرة دراهم فان جنى جنايات ثم عجز قبل ان يقضى بها دفعه مولاه بها أو فداه وان قضى عليه بالسعاية ثم عجز فهي دين في رقبته يباع فيه لأنه إذا لم يقض عليه لم تصر القيمة دينا في رقبته فهو عبد قن جنى جناية انه يخاطب مولاه بالدفع أو الفداء وإذا قضى عليه بالقيمة صار ذلك دينا في رقبته فإذا عجز صار حكمه حكم عبد لحقه الدين انه يباع أو يقضى السيد دينه هذا كانت جنايته عمدا بان قتل رجلا عمدا قتل به لأنه لو كان حر لقتل به فالمكاتب أولى هذا إذا جنى المكاتب على غيره فاما إذا جنى غيره عليه فإن كان خطأ فالأرش له وأرشه أرش العبد اما كون الأرض له فلان اجزاءه ملحقة بالمنافع وهو أحق بمنافعه وأما كون أرشه أرش العبد فلانه عبد ما بقي عليه درهم بالحديث فكانت الجناية عليه جناية على العبد فكان أرشها أرش العبيد وإن كان عمدا فالمسألة على ثلاثة أوجه في وجه يجب القصاص في قولهم وفى وجه لا يجب القصاص وفي وجه اختلفوا فيه أما الأول فهو أن يقتله رجل عمدا ولم يترك وفاء فللمولى أن يقتل القاتل لأنه لم يترك وفاء فقد مات عاجزا فمات عبدا والعبد إذا قتل عمدا يجب القصاص على قاتله إن كان عبدا بالاجماع وإن كان حر عندنا كذلك ههنا وأما الوجه الثاني فهو أن يقتل عمدا ويترك وفاء ويترك ورثة أحرارا سوى المولى فلا يجب القصاص لاشتباه ولى القصاص لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم في أنه يموت حرا أو عبدا على ما نذكر إن شاء الله تعالى فمن قال مات حرا قال ولاية الاستيفاء للورثة ومن قال مات عبدا قال الولاية للمولى فاشتبه المولى فلم يجب القصاص فان قيل قياس هذه النكتة انه إذا اجتمع المولى والورثة ينبغي أن يجب القصاص لارتفاع الاشتباه عند الاجتماع كالعبد الموصى برقبته لانسان وبخدمته لآخر إذا قتل ان لهما أن يجتمعا فيقتلا وكذا العبد المرهون إذا قتل فاجتمع الراهن والمرتهن على القصاص ان لهما أن يستوفياه كذلك ههنا فالجواب ان المانع هو اشتباه المولى وهذا الاشتباه لا يزول بالاجتماع لان الولاية لأحدهما وهو المولى أو الوارث وهذا النوع من الاشتباه لا يزول اجتماعهما بخلاف مسألة الوصية لان هناك لا اشتباه فان الولاية لصاحب الرقبة لان الملك له وإنما لصاحب الخدمة فيها حق فإذا اجتمعا في الاستيفاء فقد رضى باسقاط حقه ويقول لصاحب الخدمة حقي قوى لشبهة الملك فصار بمنزلة عبد بين اثنين قتل فاجتمع الوليان على الاستيفاء بخلاف مسألة الرهن فان المستحق للقصاص هناك هو الراهن إذ الملك له الا أن للمرتهن فيه حقا فإذا رضى بالاستيفاء فقد رضى بسقوط حقه وهنا بخلافه على ما بيناه وأما الوجه الثالث فهو أن يقتل عمدا ويترك وفاء ولا وارث له سوى المولى فعلى قول أبي حنيفة وأبى يوسف يجب القصاص للمولى لأنه لا اشتباه ههنا لان القصاص يكون للمولى كيفما كان سواء مات حرا أو عبدا وقال محمد لا يجب لان المولى ان لم يشتبه فسبب ثبوت الولاية قد اشتبه لأنه ان مات حرا فالولاية تثبت بالإرث وان مات عبدا فالولاية تثبت بالملك والجواب عن هذا من وجهين أحدهما ان السبب لم يشتبه لان المسبب واحد وهو الملك والولاء أثر من آثار الملك والثاني ان سلمنا ان السبب قد اشبته لكن لا اشتباه في الحكم وهو الولاية لأنها ثابته بيقين فتثبت بأي سبب كان فان قتل ابن المكاتب أو عبده عمدا فلا قود عليه لان المكاتب وهو أبو المقتول أو مولى العبد لو عتق كان القصاص له ولو
(١٥٢)