أداء حق المال فلو اجتمع الفقراء عن آخرهم على أن لا يأخذوا شيئا من ذلك لم يجبروا على الاخذ ويحمدون شرعا على الامتناع من الاخذ فلا يتمكن الأغنياء من اسقاط الواجب عن أنفسهم والله تعالى يوصل الفقراء كفايتهم على حسب ما ضمن لهم فبهذا تبين أن الأغنياء هم الذين يحتاجون إلى الفقراء والفقراء لا يحتاجون إليهم بخلاف ما ظنه من يعتبر الظاهر ولا يتأمل في المعنى ويتضح بما قررنا أن الفقير الصابر أفضل من الغنى الشاكر وفى كل خير ثم الكسب على مراتب فمقدار مالا بد لكل أحد منه يعنى ما يقيم به صلبه يفترض على كل أحد اكتسابه غنيا أو فقيرا لأنه لا يتوصل إلى إقامة الفرائض الا به وما يتوصل به إلى إقامة الفرائض يكون فرضا فإن لم يكتسب زيادة على ذلك فهو في سعة من ذلك لقوله عليه السلام من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وقال عليه السلام لابن خنيس رضي الله عنه فيما يعظه لقمة تسد بها جوعتك وخرقة توارى بها سوأتك فإن كان لك كن يكنك فحسن وإن كان لك دابة تركبها بخ بخ * وهذا إذا لم يكن عليه دين فإن كان عليه دين فالاكتساب بقدر ما يقضى به دينه فرض عليه لان قضاء الدين مستحق عليه إن كان غنيا قال عليه السلام الدين مقضى وبالاكتساب يتوصل إليه * وكذا إن كان له عيال من زوجة وأولاد صغار فإنه يفترض عليه الكسب بقدر كفايتهم غنيا لان الانفاق على زوجته مستحق عليه قال الله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم معناه فأنفقوا عليهن من وجدكم وهكذا في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وقال جل وعلا وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن الآية وقال عز وجل ومن قدر عليه رزقه فلينفق الآية وإنما يتوصل إلى ايفاء هذا المستحق بالكسب وقال صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء اثما ان يضيع من يمون فالتحرز عن ارتكاب المآثم فرض وقال عليه السلام ان لنفسك عليك حقا وأن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه ولكن هذا في الفرضية دون الأول لقوله عليه السلام ثم من تعول فان اكتسب زيادة على ذلك ما يدخره لنفسه وعياله فهو في سعة من ذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ادخر قوت عياله لسنة بعد ما كان منها عن ذلك على ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش اقلالا والمتأخر يكون ناسخا للمتقدم فإن كان له أبوان كبيران معسران فإنه يفترض عليه الكسب بقدر كفايتهما لان نفقتهما مستحقة عليه بعد عسرته إذا كان متمكنا من الكسب قال عليه السلام للرجل الذي اتاه وقال أريد الجهاد معك ألك أبوان قال نعم قال عليه
(٢٥٦)