قال ابن رشد أما قوله: لا يجوز بيعها قبل قبضها إلا أن يقبضها هو صحيح في مذهبه على أن الحوالة لا تجوز في الصرف وإن قبض المحال بحضرة المحيل. وعلى قول سحنون بإجازة ذلك إذا قبض المحال بحضرة المحيل يجوز إذا قبضها المشتري بحضرته، وأما بيعه إياها من الصراف نفسه فجائز على ما قال إذا باعها بما يجوز له بيعها منه وهو يجوز له أن يبيعها منه بما شاء من العروض انتهى. وقال في المسائل الملقوطة في المسائل التي انفرد بها مالك: من باع من رجل دراهم بدنانير وقبض الدنانير ثم باعه بالدراهم عرضا جاز انتهى. بخلاف ما إذا أراد أن يصرف منه الدنانير بدراهم فإنه لا يجوز حتى يطول الفصل بين الصفقتين. انظر كتاب الصرف من المدونة. وقال في المدونة: وإن صرفت من رجل دينارا بدراهم فلم يقبضها حتى أخذت منه بها سلعة أو قبضت منه نصفها وأخذت بنصفها سلعة مكانك فذلك جائز، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك، ولو صرفت منه بدراهم على أن تأخذ منه بها سمنا أو زيتا نقدا أو مؤجلا أو على أن تقبضها ثم تشتري بها هذه السلعة فذلك جائز، وإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك لأن البيع إنما وقع بالسلعة واللفظ لغو.
الخامس: إذا وقع التقابض في الصرف ثم أودع أحدهما ما قبضه عند الآخر لم يجز.
قاله في رسم شك من سماع ابن القاسم. قال ابن رشد: إنما لم يجز ذلك لأنه آل إلى الصرف المتأخر فإنهما على القصد إلى ذلك، ولو صح ذلك منهما لم يكن عليهما فيه حرج وقد أجاز ذلك ابن وهب في سماع أبي جعفر إذا طبع عليه وهو بعيد، لأن الطبع عليها لا يدفع التهمة بخلاف رهن ما لا يعرف بعينه إذا غيب عليه انتهى. وقال اللخمي: ولا يجوز اليوم لمن صرف دينارا بدراهم أن يودعها بعد المناجزة عند الصراف، لأن القصد من تركها أن يبرأ من نقصها ونحاسها قد علم ذلك منهم، ويحمل قول مالك في الذي قبض من دين له طوق ذهب فافترقا قبل قبضه الطوق لا خير فيه، على أنه بقي فيه حق من التوفية وزن أو غير ذلك، ولو لم يبق فيه شئ من التوفية لكانت مصيبته من مشتريه وإيداعه جائز بخلاف إيداع الدراهم والدنانير انتهى. ففرق بين ما يعرف بعينه كالمصوغ فيجوز إيداعه، وبين أن لا يعرف كالدراهم والدنانير والتبر فلا يجوز وهو ظاهر. وقال في الشامل: ولو أودعه ما صارفه به بعد قبضه فسد إن كان مما لا يعرف بعينه ولم يطبع عليه، فإن طبع عليه أو كان مما يعرف بعينه صح انتهى. وما ذكره من التفريق بين ما يعرف بعينه وبين ما لا يعرف بعينه صحيح كما تقدم في كلام اللخمي وذكره ابن جماعة في مسائل البيوع في باب المناجزة في الصرف في مسألة بيع الدرهم بالدرهم وفي بيع الطعام بالطعام، وقبله شارحه وعلله بأنه صرف قال: ومعنى قولهم يعرف بعينه أن يكون الشئ إذا غاب عنك وأبدل لك عرفت أنه غير شيئك. وأما ما ذكر من الطبع فهو الذي ذكره ابن رشد عن ابن وهب وقال: إنه بعيد،