تنبيهات: الأول: قد يتبادر من كلام التوضيح ومن كلام الشارح أن مسألة المدونة التي ذكرها وهي إدخال الصيرفي الدينار تابوته قبل أن يخرج الدراهم ممنوعة وليس كذلك. وإنما هي مكروهة. ولفظ التهذيب: وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ويعطي. قال أبو الحسن: الكراهة على بابها وبها استشهد اللخمي بكراهة التأخير اليسير ثم قال: قال محمد: وليرد ديناره إليه ثم يتناجزا، وكل هذه حماية ولا يفسد به الصرف. وقال ابن عرفة: وعقد الصرف على مرئي كما وعلى حاضر غيره جائز انتهى. وقال في الطراز: كره أن يقبض أحد المتعاقدين عوض صاحبه ويحوزه ثم يتراخى إقباضه إياه العوض الثاني إلا أن ذلك إذا كان بفورهما لا يفسد العقد كما لو وضعه في صندوق بين أيديهما أو كأنهما في حالة العقد وفي عمله. وهكذا عند محمد أن ذلك إن وقع لا يفسد الصرف قال: وليرد ديناره إليه ثم يتناجزاه. قال: لكن هو مكروه المضارعة معيب ما حضروه شرط في العقد انتهى. بل صرح المصنف بعد هذا في شرح قول ابن الحاجب: وفي غيبة النقد المشهور المنع أن مذهب المدونة في هذه الصورة الكراهة ولم أر أحدا حملها على المنع والله أعلم.
الثاني: ظاهر كلامه في التوضيح أن القيام على الحانوت أو الحانوتين للوزن والتقليب ممنوع على المشهور ولو كان ذلك بعد التقابض على تأويل اللخمي خلافا لما تأوله ابن رشد، ولم أر من تأول ذلك على المنع. أما اللخمي فإنه حكى في التأخير اليسير قولان:
بالتخفيف والكراهة، وعزا الأول للموازية، والثاني للمدونة. وظاهر ذلك سواء كان ذلك قبل القبض أو بعده ونص كلامه: وإن طال ما بين العقد والمناجزة بين المتصارفين إما لغيبة النقدين أو لأحدهما وقصد التأخير مع بقاء المسجد أو افترقا أو قاما جميعا إلى موضع غير الذي عقدا فيه الصرف فسد متى وقع الطول بشئ من هذه الوجوه. واختلف إذا كان التأخير يسيرا ولم يطل، فكرهه مالك مرة واستخفه أخرى فقال في كتاب محمد فيمن صرف دراهم بدنانير فقال: اذهب بها إلى الصراف فأرى وأزن قال: أما الشئ الخفيف فأرجو أن لا يكون به بأس. قال: وقد يشبه ما إذا قاما إليه جميعا فأجاز القيام والافتراق عن المجلس إذا كان يسيرا. وعلى هذا يجوز العقد على ما هو غائب عنهما على مثل ذلك القرب إذا كان في ملكه. وقال في المدونة في الذي يصرف دينارا من صراف فيزنه ويدخله تابوته: لا يعجبني وليترك الدينار على حاله حتى يخرج دراهم فيزنها ثم يأخذ الدينار ويعطي الدراهم. قال محمد: وليرد ديناره إليه ثم يتناجزان، وهذا كله حماية ولا يفسد به صرف انتهى. ونقله عنه ابن عرفة فقال: وفي يسير التأخير طرق اللخمي في خفته وكراهته قولان لرواية محمد: من صرف دراهم بدينار وقال: اذهب إلى الصراف ليرى ويزن لا بأس بما قرب منه. وقوله فيها:
أكره أن يدخل الدينار تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم بل يدعه حتى يزن فيأخذ ويعطي.