في قول مالك: لا خير فيه فحمله ابن رشد على المنع فيكون خلافا لقول ابن القاسم واختاره ابن عبد السلام قال في التوضيح: وحمل غير واحد من الشيوخ قول مالك على معنى لا خير فيه مع وجود غيره فيكون وفاقا لابن القاسم. قال عياض: وعلى ذلك أكثر المختصرين انتهى.
كذا قال ابن ناجي في شرح المدونة: وحمل غير واحد قول مالك على الكراهة، وجعلوا قول ابن القاسم تفسيرا ورد بأن مالكا منع المتوضئ من مسح رأسه ببلل لحيته، وأجيب باحتمال كونه المنع لقلته لا لكونه مستعملا انتهى. وقال ابن الإمام قال غير واحد: قول ابن القاسم وفاق ولذلك يتعين إسقاط لفظة: أحب إلي كما اختصرها ابن أبي زيد وحملها على الوجوب كما قال صاحب الاستيعاب انتهى. واختلف في علة كراهية الماء المستعمل أو المنع منه على أقوال، فقيل: لأنه أديت به عبادة، وقيل: أزال المانع، وقيل: لكونه لا يعلم سلامته من الأوساخ، وقيل: إنه قد ذهبت قوته في عبادة فلا يقوى لعبادة أخرى، وقيل: لأنه ماء الذنوب، قيل: لأنه لم ينقل عن السلف جمع ذلك واستعماله. والراجح في تعليل الكراهة كونه مختلفا في طهوريته، واقتصر في الذخيرة على التعليلين الأولين. قال: فإن انتفيا كما في الغسلة الرابعة في الوضوء فلا منع، وإن وجد أحدهما كالمستعمل في الغسلة الثانية والثالثة وفي الأوضية المستحبة وفي غسل الذمية من الحيض احتمل الخلاف في ذلك انتهى وأصله لابن عرفة.
تنبيهات: الأول: قال أبو الحسن عن ابن أبي زمنين: صورة الماء المستعمل أن يسيل الماء في صحفة أو طست أو ما أشبهه يغتسل في قصرية وهو نقي الجسم انتهى. وقال غيره:
المستعمل في الحدث هو ما قطر على الأعضاء أو اتصل بها في وضوء أو جنابة بشرط سلامتها من النجس والوسخ وإلا فهو ماء حلته نجاسة أو ماء مضاف فله حكم ذلك، وهذا الأخير نحوه في التوضيح وفي كلام الشارح، وقد يتبادر منه أن الماء بمجرد اتصاله بالعضو يصير مستعملا وليس ذلك بمراد لهم، فقد قال في الذخيرة: الماء المتنازع فيه وهو المجموع عن الأعضاء لا ما يفضل في الاناء بعد الطهارة ولا المستعمل في بعض العضو إذا جرى للبعض الآخر. وقال في فروقه: لا خلاف أن الماء ما دام في العضو طهور، وصرح بذلك غير واحد فيحتمل قوله:
واتصل بها على أن المراد إن وضع المتوضئ أو المغتسل أعضاءه في الماء وغسلها فيه.
الثاني: قال ابن عبد السلام: ينبغي أن ينظر هل يتحقق من المذهب اشتراط اليسارة في كراهة الماء المستعمل أم لا؟ فإن ثبت اشتراطها فهل تنتفي الكراهة بتكثيره بماء أوضية أخرى وهو الظاهر، أو لا تنتفي الكراهة؟ وإذا زالت الكراهة عن هذا الكثير ثم فرق حتى كان كل جزء منه يسيرا هل تعود الكراهة أم لا؟ والظاهر أنها لا تعود بزوالها ولا موجب لعودها والله أعلم انتهى.
قلت: في كلامه ميل إلى اشتراط اليسارة في الحكم بكراهة المستعمل. واعلم أن هذا