مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٩٤
المستعمل له صورتان كما تقدم: إحداهما أن يتقاطر الماء عن الأعضاء، والثانية أن يتصل بالأعضاء كأن يغتسل في قصرية ونحوها. فأما الصورة الأولى فلا شك أن المتقاطر عن الأعضاء يسير، وأما الثانية فقد يكون الماء كثيرا وقد يكون يسيرا، ولا شك أن المحكوم له بالكراهة هو اليسير. قال ابن عرفة: وفيها إن اغتسل في ماء حياض الدواب حيث غسل أذاه قبل دخولها فلا بأس به، وإن اغتسل في قصرية فلا خير في مائها وإن كان غير جنب فلا بأس به. وقال ابن الحاجب وقال في مثل حياض الدواب لا بأس به. قال في التوضيح: أي لكثرته.
والظاهر أن هذا ليس مرادا لابن عبد السلام لوضوحه، ولذلك لو صب على الماء المستعمل ماء مطلق غير مستعمل حتى صار كثيرا فلا يشك أن ذلك غير مراد له وإنما يقع التردد في المسألة التي فرضها وهي ما إذا جمع الماء المستعمل في أوضية أو اغتسال حتى صار كثيرا، فهل تنتفي الكراهة عنه أم لا؟ فاختار انتفاء الكراهة وهو خلاف ما اختاره ابن الإمام فإنه قال: والظاهر أن ما حكم عليه بأنه مستعمل وجمع حتى صار كثيرا فحكمه حكم المستعمل لأنه لما ثبت كراهة كل جزء منه حال الانفراد كان للمجموع حكم أجزائه انتهى.
قلت: وهذا هو الظاهر وفي كلامه ما يقتضي الجزم باشتراط اليسارة في كراهة الماء المستعمل والله أعلم.
الثالث: قال أبو محمد بن أبي زيد فيمن لم يكن معه من الماء إلا قدر ما يغسل به وجهه وذراعيه إنه إن كان يقدر على جمع ما يسقط من أعضائه فعل وغسل بذلك الماء باقي أعضائه ويصير كمن لم يجد إلا ما توضأ به مرة، نقله عنه ابن يونس وأبو الحسن وابن عرفة وابن ناجي وغيرهم. وجعله ابن يونس من باب الوضوء بالماء المستعمل إذا لم يجد غيره، وبحث في ذلك ابن هارون فقال: هذا إذا قلنا: إن كل عضو يطهر بانفراده، وأما على القول بأنه لا يطهر إلا بالجميع فلا يكون مستعملا ونحوه لابن عرفة ونصه. الشيخ من لم يجد إلا قدر وضوئه بمستعمل بعض أعضائه تعين، خرجه الصقلي على المستعمل وفيه نظر على ما مر من كون كل عضو يطهر بانفراده انتهى. وقوله: على ما مر لم يظهر لي ما أشار إليه به. وقال ابن عبد السلام: ومما ينظر فيه في هذا الفصل أنه إذا قيل: كل عضو يطهر بانفراده - وهو الأظهر عندي - أنه يكون كل ما أخذ من هذا الماء من قليل أو كثير من الماء المستعمل، وإن قيل: إن طهارة الأول متوقفة على طهارة الأخير فيكون ما أخذ من العضو الأول واستعمله غير هذا المتوضئ في طهارة قبل كمال طهارة المتوضئ به أولا عاريا عن الكراهة، لأنه إنما يحكم له بها بشرط التمام ولم يحصل إلى الآن إلا أن يقال: إنه ينبغي التوقف عنه حتى ينظر مآل أمر المتوضئ به هل تتمم طهارته أم لا انتهى.
قلت: فيظهر من آخر كلامه أنه إذا تمت الطهارة حكم لما أخذ أولا بالكراهة ولو كان قد استعمل. وهذا هو الذي يظهر، وإذا كان الامر كذلك فلا يظهر لكلام ابن هارون وابن
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست