مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٤٣
عدم جواز نقل مذاهبهم لعدم انضباطها، فلعل ما ننقله عنهم لو جمعت شروطه صار موافقا لما نجعله مخالفا له. قال: ويمكن الجواب بأن أمر النقل خفيف بالنسبة إلى العمل فإنه قد يكون المقصود منه الا طلاع على وجوه الفقه والتنبيه على المدارك وعدم الوفاق فيوجب ذلك التوقف عن أمور والبحث عن أمور. وقال ابن برهان: تقليد الصحابة يتخرج تنم على جواز الانتقال في المذاهب، فمن منعه لأن مذاهب الصحابة لم تكثر فروعها حتى يمكن لمقلد الاكتفاء به طول عمره. انتهى باختصار وأكثر باللفظ. وذكر البرزلي أن ابن العربي سأل الغزالي عمن قلد الشافعي مثلا وكان مذهبه مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة أو غيرهم من الصحابة، فهل له اتباع الصحابة لأنهم أبعد عن الخطأ ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اقتدوا باللذين من بعدي أبى بكر وعمر " فأجاب:
أنه يجب عليه أن يظن بالشافعي أنه لم يخالف الصحابي إلا لدليل أقوى من مذهب الصحابي، وإن لم يظن هذا فقد نسب الشافعي للجهل بمقام الصحابي وهو محال، وهذا سبب ترجيح مذهب المتأخرين على المتقدمين مع العلم بفضلهم عليهم لكون المتقدمين سمعوا الأحاديث آحادا وتفرقوا في البلاد فاختلفت فتاويهم وأقضيتهم في البلاد، وربما بلغتهم الأحاديث فوقفوا عما أفتوا به وحكموا ولم يتفرغوا لجمع الأحاديث لاشتغالهم بالجهاد وتمهيد الدين، فلما أنهى فتاويهم الناس إلى تابعي التابعين وجدوا الإسلام مستقرا ممهدا فصرفوا هممهم إلى جمع الأحاديث، ونظروا بعد الإحاطة بجميع مدارك الأحكام ولم يخالفوا ما أفتى به الأول إلا لدليل أقوى منه، وهذا لم يسم في المذاهب بكريا ولا عمريا انتهى مختصرا. ثم ذكر البرزلي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه سئل عمن صح عنده مذهب أبي بكر أو غيره من علماء الصحابة في شئ، فهل يعدل إلى غيره أم لا؟ فأجاب بأنه إذا صح عن عصر الصحابة مذهب في حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل أوضح من دليله، ولا يجب على المجتهدين تقليد الصحابة في مسائل الخلاف بل لا يحل ذلك في وضوح أدلتهم على أدلة الصحابة انتهى. وهذا مخالف لما تقدم، وهو أيضا مبنى على مذهبه من جواز الانتقال من مذهب إلى مذهب كما سيأتي. ثم ذكر عن المزري أنه سئل: هل يسوغ الأخذ بقول ابن المسيب إن المبتوتة تحل بالعقد؟ فأجاب بأني سئلت عن هذه المسألة حين وقعت لشخص قرأ على في شئ من الأصول وجاءني سؤال من قبل قاضى تونس وفقهائها فأكثرت النكير عليه وبالغت حتى أظن إني سمحت لهم في عقوبته، وذكرت لهم أن هذا باب إن فتح حدث منه خروق من الديانات، وإني رأيت من الدين الجازم والأمر الحاتم أن أنهى عن الخروج عن مذهب مالك وأصحابه حماية للذريعة، ولو ساغ هذا لقال رجل: أنا أبيع دينارا بدينارين مقلدا لما روى عن ابن عباس وآخر: إني أتزوج من غير ولى ولا شهود مقلدا في الولي لأبي حنيفة، وفي الشهود لمالك، وبدانق مقلدا للشافعي، وهذا عظيم الموقع في الضرر. وهب أنى أبحث لهذا السائل أن يفعل في نفسه فنكاحه لا يخفى فهو أولى بالحسم من غيره، وقضاة بلده وفقهاؤهم
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست