مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٨
قط. وهذا أمر لم يسلم منه غيره ولا في فضائل العلماء أحل من هذا. وذكر يوما شيئا فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: إنا لم نجالس السفهاء. وقد عد القاضي عياض في المدارك بالترجيح مذهب مالك وبيان الحجة في وجوب تقليده، ورجح ذلك من طريق النقل والاعتبار فلينظر ذلك فيه. وذكر القاضي عبد الوهاب في آخر المعونة شيئا من ذلك. وقال ابن ناجى في شرح الرسالة: اختار الشيخ مذهب مالك لأنه إمام دار الهجرة وهو المعنى بالحديث وذكره ثم قال: ولأنه جمع بين شرفي الحديث والفقه، وغيره من أئمة الدين إما فقيه صرف كالشافعي وأبي حنيفة ليس لهما ذكر عند الصحيحين، وإما محدث صرف كأحمد وداود، انتهى. وهو مأخوذ من كلام القاضي عياض في المدارك. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة: يكفي في أرجحيته كونه إمام دار الهجرة في خير القرون ومتبوع أهل المغرب الذين لا يزالون ظاهرين على الحق إلى قيام الساعة كما صح في الحديث وإن اختلفت روايته، وعصم الله مذهبه من أن يكون فيه ذو هوى موسوما بالإمامة، وجعله مقدما عند الكافة حتى إن كل ذي مذهب يختاره بعد مذهبه، وجعل رؤساء مذهبه حجة بعده في الحديث كالفقه قد خرج لهم البخاري وما ملأ كتابه إلا بهم فهم الحجة والأئمة الأربعة الأثبات الذين برزوا ولم يثبت ذلك لغيرهم وإن كان صالحا أمينا. ومن طالع مناقب الأئمة الأربعة عرف علو مرتبتهم ووجوب تقديمهم على غيرهم ولزوم الاقتداء بهم وترجح عنده أحدهم على ما يتعرف من مراتبهم، ويرى مع ذلك أن مالكا أعلاهم وأسناهم، ألا ترى أن الشافعي تلميذه، وأحمد تلميذ الشافعي؟ ويرحم الله ابن الأثير حيث يقول: كفى مالكا شرفا أن الشافعي تلميذه وأحمد تلميذ الشافعي وكفى الشافعي شرفا أن مالكا شيخه. وأما أبو حنيفة فذكر غير واحد أنه لقى مالكا وأخذ عنه شيئا من الحديث فهو إذا شيخ الكل وإمام الأئمة وكلهم على هدى وتقى وعلم وورع وزهد انتهى. وقد ذكر الشيخ جلال الدين السيوطي في كتابه الذي سماه (تزيين الممالك بترجمة الإمام مالك): بلغني في هذه الأيام أبي حنيفة وأقدم وفاة كالزهري وربيعة وكلاهما من شيوخ مالك، فإذا روى عنه شيوخه فلا يبعد أن يروى عنه أبو حنيفة الذي هو من أقرانه. ورواية أبي حنيفة عن مالك ذكرها الدارقطني في كتابه، وابن حجر والبخاري في مسند أبي حنيفة، والخطيب البغدادي في كتاب الرواة عن مالك، وذكرها من المتأخرين الحافظ مغلطاي والشيخ سراج الدين البلقيني.
وقال الزركشي في نكته: صنف الدارقطني جزءا في الأحاديث التي رواها الإمام أبو حنيفة عن الإمام مالك قال: وقال الحنفية: أجل من روى عن مالك أبو حنيفة انتهى. وقد ذكر القاضي عياض أيضا في المدارك رواية الإمام مالك قال: وروى عنه الأئمة الأجلاء من شيوخه وغيرهم.
فمن شيوخه من التابعين: محمد بن شهاب الزهري ومات قبل مالك بخمس وخمسين سنة،
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست