مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ١ - الصفحة ٣٠٧
القائلين بالمسح والتخيير: وأجمعنا على أنه لا يجب الجمع بين الغسل والمسح قال: ومنشأ الخلاف اختلاف القراءتين، فعلى قراءة النصب يكون وجوب الغسل ظاهرا لأنها معطوفة على الوجه واليدين ولا يضر الفصل بينهما بمسح الرأس، وأما قراءة الجر فظاهرها يقتضي وجوب المسح ولكن لا يمكن حملها عليه لأنه لم يرد من فعل النبي (ص) والصحابة بعده إلا الغسل فيتعين. ويجاب عن الآية بأنها ليست معطوفة على الرؤوس وإنما هي مخفوضة على الجوار.
حكي هذا القول عن سيبويه والأخفش وجماعة من الفقهاء والمفسرين، وخالفهم في ذلك المحققون، ورأوا أن الخفض على الجوار لا يحسن في المعطوف، لان حرف العطف حاجز بين الاسمين ومبطل للمجاورة، ورأوا أن الحمل على ذلك حمل على شاذ ينبغي صون القرآن عنه وقالوا: الخفض في الآية إنما هو بالعطف على لفظ الرؤس فقيل: الأرجل مغسولة لا ممسوحة فأجابوا بوجهين.
أحدهما: أن المسح هنا هو الغسل. قال أبو علي: حكى لنا من لا يتهم أن أبا زيد قال:
المسح خفيف الغسل. يقال: تمسحت للصلاة ويراد به الغسل. وخصت الرجلان من بين سائر المغسولات باسم المسح ليقتصد في صب الماء عليها إذا كانتا مظنة الاسراف.
والثاني: أن المراد هنا هو المسح على الخفين والله تعالى أعلم. وقوله: بكعبيه الباء بمعنى مع أي مع كعبيه والمشهور دخولهما في وجوب الغسل. وروى ابن نافع لا يجب إدخالهما.
وقيل: يدخلان احتياطا قاله عبد الوهاب. والخلاف في دخولهما في الغسل كالخلاف في دخول المرفقين، قاله اللخمي وغيره. قال صاحب الطراز: وفرق بعض الناس فقال بدخول الكعبين بخلاف المرفقين لان اسم الرجل لا يتناول الساق فلو لم يذكر الكعبين لم يدخلا فلا بد لذكرهما من فائدة، ثم رد هذا القول وقال ابن عرفة اللخمي: الكعبان كالمرفقين. عياض:
قد يفرق بأن القطع تحت الكعبين بخلاف المرفقين ثم فسر المصنف الكعبين بقوله الناتئين بمفصلي الساقين. والناتئ المرتفع من نتأ ينتأ نتوءا وهو بالهمز، ويجوز إبدال الهمزة ياء لوقوعها بعد الكسرة.
وهذا الذي ذكره المصنف في تفسير الكعبين هو المشهور عندنا وعند أهل اللغة. وقيل: هما الكائنان عند معقد الشراك وعزاه اللخمي لرواية ابن القاسم وعياض لرواية أحمد بن نصر. وفي مختصر ابن عبد الحكم أن مالكا أنكر هذه الرواية. قال ابن عرفة: زاد ابن رشد فقال: وقيل:
هما مجتمع العروق على ظهر المقدم. وذكر ابن ناجي هذا القول عن عياض عن ظاهر كتاب الوقار ونصه: وقيل: هما المفصلان اللذان على طاهر القدم وعزاه عياض لظاهر كتاب الوقار.
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»
الفهرست