الجواب إلى نص أو اجماع، فلا حاجة إلى السؤال ثانيا، وكذا لو كان المقلد ميتا وجوزناه، وإن عرف استناده إلى الرأي والقياس أو شك والمقلد حي، فوجهان، أحدهما: لا يحتاج إلى السؤال ثانيا، لأن الظاهر استمراره على جوابه، وأصحهما يلزمه السؤال ثانيا.
فرع لو اختلف عليه جواب مفتيين، فإن أوجبنا البحث وتقليد الأعلم، اعتمده، وإلا فأوجه، أصحها: يتخير، ويأخذ بقول أيهما شاء، والثاني: بأخذ بأغلظ الجوابين، والثالث: بأخفهما، والرابع: بقول من يبني قوله على الأثر دون الرأي، والخامس: بقول من سأله أولا.
قلت: وحكي وجه سادس أنه يسأل ثالثا، فيأخذ بفتوى من وافقه. وهذا الذي صححه من التخيير هو الذي صححه الجمهور، ونقله المحاملي في أول المجموع عن أكثر أصحابنا لأن فرضه أن يقلد عالما وقد حصل. والله أعلم.
ونقل الروياني وجهين في أن من سأل مفتيا ولم تسكن نفسه إلى فتواه هل يلزمه أن يسأل ثانيا وثالثا لتسكن نفسه، أم له الاقتصار على جواب الأول؟ والقياس في وجه الثاني.
الجملة الثالثة فيما يتعلق بهما، فيجوز للمستفتي أن يسأل بنفسه، ويجوز أن يكتفي برسول ثقة يبعثه وبالرقعة، ويكفي ترجمان واحد إذا لم يعرف لغته.
قلت: له اعتماد خط المفتي إذا أخبره من يقبل خبره أنه خطه، أو كان يعرف خطه ولم يشك فيه. والله أعلم.
ومن آداب المستفتي أن لا يسأل المفتي وهو قائم، أو مشغول بما يمنعه من تمام الفكر، وأن لا يقول إذا أجابه: هكذا قلت أنا، وأن لا يطالب بالدليل، فإن أراد معرفته، سأل عنه في وقت آخر. وإذا سأل في رقعة، فليكن كاتبها حاذقا، ليبين مواضع السؤال، وينقط مواضع الاشتباه، وليتأمل المفتي الرقعة كلمة كلمة، وليكن اعتناؤه بآخر الكلام أشد، لأنه موضع السؤال، وليتثبت في الجواب وإن كانت المسألة واضحة، وأن يشاور من في مجلسه ممن يصلح لذلك إلا أن يكون فيها