لأن نص إمامه في حقه كنص الشارع في حق المستقل، وأما إذا لم يعلم المستفتي برجوعه. فكأنه لم يرجع في حقه، ويلزم المفتي إعلامه برجوعه قبل العمل، وكذا بعده حيث يجب النقض، وإذا عمل بفتواه في إتلاف، ثم بان أنه أخطأ، وخالف القاطع، فقال الأستاذ أبو إسحاق الأسفراييني: إن كان أهلا للفتوى، ضمن، وإلا، فلا، لأن المستفتي مقصر، وهذا الذي قاله فيه نظر، وينبغي أن يخرج على قولي الغرور أو يقطع بعدم الضمان مطلقا إذا لم يوجد منه الاتلاف، ولا ألجأ إليه بإلزام. والله أعلم.
فرع لا يشترط أن يكون للمجتهد مذهب مدون، وإذا دونت المذاهب، فهل يجوز للمقلد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب؟ إن قلنا: يلزمه الاجتهاد في طلب الأعلم، وغلب على ظنه أن الثاني أعلم ينبغي أن يجوز، بل يجب وإن خيرناه، فينبغي أن يجوز أيضا، كما لو قلد في القبلة هذا أياما، وهذا أياما. ولو قلد مجتهدا في مسائل، وآخر في مسائل أخرى، واستوى المجتهدان عنده أو خيرناه، فالذي يقتضيه فعل الأولين الجواز، وكما أن الأعمى إذا قلنا: لا يجتهد في الأواني والثياب له أن يقلد في الثياب واحدا، وفي الأواني آخر، لكن الأصوليون منعوا منه لمصلحة. وحكى الحناطي وغيره عن أبي إسحاق فيما إذا اختار من كل مذهب ما هو أهون عليه أن يفسق به، وعن ابن أبي هريرة أنه لا يفسق، وبالله التوفيق.
قلت: قد استقصى الامام الرافعي رحمه الله هذا الباب، فاستوعب وأجاد، وقد استوعبت أنا هذا الباب في أول شرح المهذب وجمعت فيه من مجموعات كلام الأئمة ومتفرقاتها هذا المذكور هنا مع مثله أو أمثاله، وأنا أذكر منه هنا نبذا أشير إليها، ولا ألتزم ترتيبه.
فيستحب للمعلم والمفتي الرفق بالمتعلم والمستفتي، ليتمكن من الفهم عنه، وقد استوعبت آداب العالم والمعلم في أول شرح المهذب وذكرت فيه ما لا ينبغي لطالب علم أن يخفى عليه شئ منه، قال الخطيب الحافظ أبو بكر البغدادي:
ينبغي للامام أن يتفقد أحوال المفتين، فمن صلح لها، أقره، ومن لم يصلح،