السادسة: قد سبق في باب الوليمة الخلاف في أن الإجابة إليها واجبة أم مستحبة؟ وذلك في غير القاضي. أما القاضي، فلا يحضر وليمة أحد الخصمين في حال خصومتهما ولا وليمتهما، لأنه قد يزيد أحدهما في إكرامه، فيميل إليه قلبه، وأما وليمة غير الخصمين، فثلاثة أوجه، أحدها: تحرم عليه الإجابة إليها، والثاني: تجب إذا أوجبناها على غيره، والثالث وهو الصحيح: لا تحرم ولا تجب، بل تستحب بشرط التعميم، فإن كثرت وقطعته عن الحكم، تركها في حق الجميع، ولا يخص بعض الناس، لكن لو كان يخص بعض الناس قبل الولاية بإجابة وليمة، فنقل ابن كج عن نص الشافعي رحمه الله أنه لا بأس بالاستمرار، وتكره إجابته إلى دعوة اتخذت لأجل القاضي خاصة أو للأغنياء ودعي فيهم، ولا يكره إلى ما اتخذ للجيران وهو منهم، أو للعلماء ودعي فيهم. واعلم أن إجابة غير وليمة العرس من الدعوات مستحبة، وظاهر ما أطلقه الأصحاب ثبوت الاستحباب في حق القاضي أيضا، وإن كان الاستحباب في الوليمة آكد، ومنهم من خص الاستحباب بالوليمة، وبه قال ابن القاص.
فرع لا يضيف القاضي أحد الخصمين دون الآخر ويجوز أن يضيفهما معا على الصحيح، ومنعه أبو إسحاق، لأنه قد يتوهم كل واحد أن المقصود بالضيافة صاحبه، وأنه تبع، وهذا يشكل بسائر وجوه التسوية.
السابعة: له أن يشفع لأحدهما، وأن يؤدي المال عمن عليه، لأنه ينفعهما.
الثامنة: يعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويزور القادمين، وإذا لم يمكنه الاستيعاب، فعل الممكن من كل نوع، ويخص به من عرفه، وقرب منه. قال القاضي أبو حامد: هو كإجابة الوليمة يعم الجميع أو يترك الجميع، والصحيح الأول، وبه قطع الجمهور، لأن معظم المراد بهذه الأنواع الثواب، ولا فرق في هذه الأنواع بين المتخاصمين وغيرهما هكذا قاله الأكثرون. وفي أمالي أبي الفرج أنه لا يعود الخصم ولا يزوره إذا قدم، لكن يشهد جنازته.
الطرف الرابع في البحث عن حال الشهود وتزكيتهم وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز للقاضي أن يتخذ شهودا معينين لا يقبل شهادة غيرهم، لما فيه من التضييق على الناس.