ظاهره العدالة ولم يختبر باطنه وهما وجهان ذكرهما غيره، أصحهما الاكتفاء، لان العدالة الباطنة يعسر معرفتها على غير القضاة، فيعسر على العوام تكليفهم بها، وهذا الخلاف كالخلاف في صحة النكاح بحضور المستورين. أما الاحتمالان في اشتراط عدد التواتر، والاكتفاء بعدل، فهما محتملان، ولكن المنقول خلافهما، فالذي قاله الأصحاب أنه يجوز استفتاء من استفاضت أهليته، وقيل: لا يكفي الاستفاضة، ولا التواتر، بل إنما يعتمد قوله: أنا أهل للفتوى، لأن الاستفاضة والشهرة بين العامة لا وثوق بها، فقد يكون أصلها التلبيس، وأما التواتر، فلا يفيد العلم إذا لم يستند إلى معلوم محسوس، والصحيح الأول، لأن إقدامه عليها إخبار منه بأهليته، لأن الصورة فيمن وثق بدينه.. ويجوز استفتاء من أخبر المشهور المذكور بأهليته قال الشيخ أبو إسحاق وغيره: نقبل في أهليته خبر عدل واحد، وهذا محمول على من عنده معرفة يميز بها الملتبس من غيره، ولا يعتمد في ذلك خبر آحاد العامة لكثرة ما يتطرق إليهم من التلبيس في ذلك. والله أعلم.
فرع إذا وجد مفتيين فأكثر هل يلزمه أن يجتهد، فيسأل أعلمهم؟
وجهان، قال ابن سريج: نعم، واختاره ابن كج والقفال، لأنه يسهل عليه، وأصحهما عند الجمهور أنه يتخير، فيسأل من شاء، لأن الأولين كانوا يسألون علماء الصحابة رضي الله عنهم مع تفاوتهم في العلم والفضل، ويعملون بقول من سألوه من غير إنكار، قال الغزالي: فإن اعتقد أن أحدهم أعلم، لم يجز أن يقلد غيره، وإن كان لا يلزمه البحث عن الأعلم إذا لم يعتقد اختصاص أحدهم بزيادة علم.
قلت: هذا الذي قاله الغزالي قد قاله غيره أيضا وهو وإن كان ظاهرا، ففيه نظر لما ذكرنا من سؤال آحاد الصحابة رضي الله عنهم مع وجود أفاضلهم الذين فضلهم متواتر وقد يمنع هذا وعلى الجملة المختار ما ذكره الغزالي. فعلى هذا يلزمه تقليد أورع العالمين، وأعلم الورعين، فإن تعارضا قدم الأعلم على الأصح. والله أعلم.
فرع وإذا استفتى وأجيب، فحدثت له تلك الحادثة ثانيا، فإن عرف استناد