العامي عما لم يقع، لم يجب جوابه ولا يجوز للمفتي أن يتساهل في فتواه، ومن عرف بذلك، لم يجز أن يستفتى، وتساهله قد يكون بأن لا يتثبت، ويسرع بالجواب قبل استيفاء الفكر والنظر، فإن تقدمت معرفته بالمسؤول عنه، فلا بأس بالاسراع، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من المسارعة، وقد يكون تساهله بأن تحمله أغراض فاسدة على تتبع الحيل المحرمة المكروهة، والتمسك بالشبهة طلبا للترخيص على من يروم نفعه، أو التغليظ على من يروم ضره، ومن فعل هذا، فلا وثوق به.
وأما إذا صح قصده، فأحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها، ولا تجر إلى مفسدة، ليخلص بها المستفتي من وريطة يمين ونحوها، فذلك حسن، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من هذا. وينبغي أن لا يفتي في كل حال تغير خلقه، وتشغل قلبه، وتمنعه التثبت والتأمل كحالة الغضب أو الجوع أو العطش والحزن والفرح الغالب، والنعاس، والملالة، والمرض المقلق، والحر المزعج، ومدافعة الأخبثين ونحو ذلك، ومتى أحس بشغل قلبه، وخروجه عن الاعتدال، لم يفت، فإن أفتى في شئ من هذه الأحوال وهو يعتقد أن ذلك لم يمنعه من إدراك الصواب، صحت فتواه، وإن كان مخاطرا. والأولى للمتصدي للفتوى أن يتبرع بذلك، ويجوز أن يأخذ عليه رزقا من بيت المال إلا إذا تعين عليه، وله كفاية، فالصحيح أنه لا يجوز. ثم إن كان له رزق لا يجوز له أخذ أجرة، وإن لم يكن له رزق، لم يجز له أخذ أجرة من أعيان المستفتين كالحاكم. واحتال الشيخ أبو حاتم القزويني في حيلة، فقال: يقول للمستفتي: يلزمني أن أفتيك قولا، ولا يلزمني أن أكتب لك، فإن استأجره على الكتابة، جاز، وهذا الذي ذكره وإن كان مكروها، فينبغي أن لا يأخذ من الأجرة إلا قدر أجرة كتابة ذلك القدر ولو لم يكن فتوى، لئلا يكون آخذا زيادة بسبب الافتاء. قال الصيمري والخطيب وغيرهما: ولو اجتمع أهل البلد على أن جعلوا له رزقا من أموالهم ليتفرغ لفتاويهم، جاز.
وأما الهدية، فقال أبو المظفر السمعاني من أصحابنا: ويجوز له قبولها بخلاف الحاكم، لأنه يلزمه حكمه قال الشيخ أبو عمرو: وينبغي أن يحرم قبولها إن كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد، كما في الحاكم وسائر ما لا يقابل بالأعواض. قال