الأصحاب، وقالوا أيضا: كتاب السماع إنما يقبل إذا كانت المسافة بين الكاتب وبين الذي بلغه الكتاب بحيث يقبل في مثلها الشهادة على الشهادة، وهذا نصه في عيون المسائل ولو قال الحاكم لخليفته: اسمع دعوى فلان وبينته، ولا تحكم به حتى تعرفني، ففعل هل للحاكم أن يحكم به؟ القياس أنه كإنهاء أحد القاضيين في البلد إلى الآخر، لامكان حضور الشهود عنده، لكن الأشبه هنا الجواز، وبه أجاب أبو العباس الروياني مع توقف فيه.
الطرف الرابع في الحكم بالشئ الغائب على غائب. الغيبة والحضور إنما تتعاقبان الأعيان، فأما إذا كانت دعوى نكاح أو طلاق أو رجعة، أو إثبات وكالة، فلا يوصف المدعي بغيبة ولا حضور، وكذا إذا كان المدعى دينا. ومتى ادعى عينا، فإن كانت حاضرة مشارا إليها، سلمت إلى المدعي إذا تمت حجته، وإن كانت غائبة، فلها حالان الأولى أن تكون غائبة عن البلد، فهي إما عين يؤمن فيها الاشتباه والاختلاط، كالعقار وعبد وفرس معروفين، وإما غيرها، والقسم الأول يسمع القاضي البينة عليه، ويحكم ويكتب إلى قاضي بلد ذلك المال ليسلمه إلى المدعي، ويعتمد في العقار على ذكر البقعة والسكة والحدود، وينبغي أن يتعرض لحدوده الأربعة، ولا يجوز الاقتصار على حدين أو ثلاثة، ولا يجب التعرض للقيمة على الأصح، لحصول التمييز دونه. وأما القسم الثاني كغير المعروف من المعروف من العبيد والدواب وغيرها فهل يسمع البينة على عينها وهي غائبة؟ قولان: أحدهما نعم، كما يسمع على الخصم الغائب اعتمادا على الحلية والصفة، ولأنه يحتاج إليه كالعقار.
والثاني: لا، لكثرة الاشتباه، وبهذا قال المزني، ورجحه طائفة، منهم أبو الفرج الزاز، والأول اختيار الكرابيسي، والاصطخري، وابن القاص، وأبي علي الطبري، وبه أفتى القفال. فإذا قلنا به، فهل يحكم للمدعي بما قامت به البينة؟
قولان، أحدهما: نعم كالعقار، وأظهرهما: لا، لأن الحكم مع خطر الاشتباه والجهالة بعيد. والحاصل ثلاثة أقوال، أظهرها: تسمع البينة فينبغي أن يبالغ البينة ولا يحكم، والثاني لا يسمع ولا يحكم، والثالث يسمع ويحكم، هذه طريقة الجمهور، وطردوها في جميع المنقولات التي لا تعرف، وقال الامام والغزالي:
ما لا يؤمن فيه الاشتباه ضربان ما يمكن تمييزه بالصفات والحلي كالحيوان، وما لا يمكن لكثرة أمثاله كالكرباس، فالأول على الأقوال الثلاثة، وقطعا في الكرباس