فأما إذا أقام بعضهم شاهدين، فإنه يثبت المدعى كله، فإذا حضر الغائب من الورثة، أو بلغ صبيهم، أو عقل مجنونهم، أخذ نصيبه، ولا حاجة إلى تجديد الدعوى وإقامة البينة، وينتزع القاضي بعد تمام البينة نصيب الصبي والمجنون، دينا كان أو عينا، ثم يأمر بالتصرف فيه بالغبطة كيلا يضيع عين ماله، وأما نصيب الغائب، فإن كان عينا انتزعها، وكلام الأصحاب يقتضي أن هذا الانتزاع واجب وهو الظاهر، لكن سبق في باب الوديعة أن الغاصب لو حمل المغصوب إلى القاضي والمالك غائب، ففي وجوب قبوله وجهان، فيجوز أن يعود ذلك الخلاف هنا مع قيام البينة، وإن كان المدعى دينا، ففي انتزاع نصيب الغائب وجهان جاريان فيمن أقر لغائب بدين، وحمله إلى القاضي هل على القاضي أن يستوفيه، والأصح في الصورتين عدم الوجوب، وحكاه ابن كج في مسألتنا عن النص. واعلم أنه سبق في كتاب الشركة أن أحد الوارثين لا ينفرد بقبض شئ من التركة، ولو قبض شاركه الآخر فيه، وقالوا هنا: يأخذ الحاكم نصيبه، كأنهم جعلوا غيبة الشريك عذرا في تمكين الحاضر من الانفراد، ولو ادعى على رجل أن أباه أوصى له ولفلان بكذا، وأقام شاهدين وفلان غائب أو صبي، لم يؤخذ نصيب فلان بحال، وإذا حضر وبلغ فعليه إعادة الدعوى والبينة لما ذكرنا أن الدعوى في الإرث لشخص واحد.
فرع لو كان للوارث الغائب وكيل وقد أقام الحاضر البينة، قال أبو عاصم: يقبض الوكيل نصيب الغائب دون القاضي، فإن لم يكن، قبض القاضي، ويؤجر لئلا تفوت المنافع.
فصل هل يثبت الوقف بشاهد ويمين، إن قلنا: الملك فيه للواقف أو الموقوف عليه، فنعم، وإن قلنا: لله تعالى، فوجهان، أو قولان، أحدهما: لا، وبه قال المزني وأبو إسحاق كالعتق، والثاني: نعم، وبه قال ابن سريج وابن سلمة، والعراقيون يميلون إلى ترجيح الأول، وينسبونه إلى عامة الأصحاب، لكن الثاني أقوى في المعنى وهو المنصوص، وصححه الامام والبغوي وغيرهما، وجزم