حكم تلك المسألة عند ذلك المجتهد فأخبر به، وأخذ غيره به تقليدا للميت وجب أن يجوز على الصحيح.
قلت: هذا الاعتراض ضعيف أو باطل، لأنه إذا لم يكن متبحرا ربما ظن ما ليس مذهبا له مذهبه، لقصور فهمه، وقلة اطلاعه على مظان المسألة، واختلاف نصوص ذلك المجتهد، والمتأخر منها، والراجح وغير ذلك، لا سيما مذهب الشافعي رحمه الله الذي لا يكاد يعرف ما يفتى به منه إلا أفراد، لكثرة انتشاره، واختلاف ناقليه في النقل والترجيح. فإن فرض هذا في مسائل صارت كالمعلومة علما قطعيا عن ذلك المذهب، كوجوب النية في الوضوء، والفاتحة في الصلاة، ووجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون، ووجوب تبييت النية في صوم الفرض، وصحة الاعتكاف بلا صوم، وعدم وجوب نفقة البائن الحامل، ووجوب القصاص في القتل بالمثقل وغير ذلك عند الشافعي رضي الله عنه، فهذا حسن محتمل. والله أعلم.
وإذا جوزنا الفتوى إخبارا عن مذهب الميت، فإن علم من حاله أنه يفتي على مذهب إمام معين، كفى إطلاق الجواب، وإلا فلا بد من إضافته إلى صاحب المذهب.
فرع ليس لمجتهد أن يقلد مجتهدا لا ليعمل به، ولا ليفتي به، ولا إذا كان قاضيا ليقضي به، سواء خاف الفوت لضيق وقت أم لا. وقال ابن سريج: له التقليد إذا ضاق الوقت ليعمل به، لا ليفتي، وقياسه أن لا يجوز للقضاء وأولى.
وفي الشامل والتهذيب طرد قول ابن سريج في القضاء وصورة الضيف فيه: أن يتحاكم مسافران والقافلة ترتحل، ومن قال به، فقياسه طرده في الفتوى.
فرع هل يلزم المجتهد تجديد الاجتهاد إذا وقعت الحادثة مرة أخرى، أو سئل عنها مرة أخرى، أم يعتمد اجتهاده الأول؟ وجهان كما سبق في القبلة.
قلت: أصحهما لزوم التجديد، وهذا إذا لم يكن ذاكرا لدليل الأولى، ولم يتجدد ما قد يوجب رجوعه، فإن كان ذاكرا، لم يلزمه قطعا، وإن تجدد ما يوجب الرجوع، لزمه قطعا. والله أعلم.