آخر، لزمه بمجرد فتواه، وإن لم تسكن نفسه، وإن كان هناك آخر لم يلزمه بمجرد إفتائه، إذ له أن يسأل غيره، وحينئذ فقد يخالفه، فيجئ فيه الخلاف السابق في اختلاف المفتيين، وينبغي للمستفتي أن يبدأ من المفتين بالأسن الأعلم وبالأولى فالأولى فإن أراد جمعهم في رقعة، وإن أراد إفرادهم في رقاع، بدأ بمن شاء، وتكون رقعة الاستفتاء واسعة، ويدعو في الورقة لمن يستفتيه، ويدفع الورقة إلى المفتي منشورة، ويأخذها منشورة، فيريحه من نشرها وطيها. وإذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيا في بلده ولا غيره، ولا من ينقل حكمها، قال الشيخ أبو عمرو: هذه مسألة فترة الشريعة الأصولية وحكمها حكم ما قبل ورود الشرع، والصحيح في كل ذلك أن لا تكليف ولا حكم في حقه أصلا، فلا يؤاخذ إذا صاحب الواقعة شئ بصنعه. فهذا آخر النبذ التي يسر الله الكريم إلحاقها وهي وإن كانت طويلة بالنسبة إلى هذا المختصر فهي قصيرة بالنسبة إلى ما ذكرته في شرح المهذب، وموضع بسطها والزيادات والفروع هناك. وهذا الفصل مما يكثر الاحتياج إليه، فلهذا بسطناه أدنى بسط. والله أعلم.
المسألة الثالثة: يستحب للامام أن يأذن للقاضي في الاستخلاف، فإن لم يأذن، فله حالان أحدهما: أن يطلق التولية، ولا ينهاه عن الاستخلاف، فإن أمكنه القيام بما تولاه، كقضاء بلدة صغيرة، فليس له الاستخلاف على الأصح، وإن لم يمكنه كقضاء بلدتين أو بلد كبير، فله الاستخلاف في القدر الزائد على ما يمكنه، وليس له الاستخلاف في الممكن على الأصح، والقياس فيما إذا أذن له أن يكون في القدر المستخلف فيه هذان الوجهان إلا أن يصرح بالاستخلاف في الجميع، وقطع ابن كج بالجواز في الكل عند مطلق الاذن. الحال الثاني: أن ينهاه عن الاستخلاف، فلا يجوز الاستخلاف، فإن كان ما فوضه إليه لا يمكنه القيام به، فقال القاضي أبو الطيب: هذا النهي كالعدم، والأقرب أحد أمرين إما بطلان التولية، وبه قال ابن القطان، وإما اقتصاره على الممكن، وترك الاستخلاف.
قلت: هذا أرجحهما. والله أعلم.