ورآه استحل ما حرم الله تعالى عليه، فلا ترد شهادة أحد بشئ من التأويل كان له وجه يحتمله، وإن بلغ فيه استحلال المال والدم. هذا نصه بحروفه وفيه التصريح بما ذكرنا، وبيان ما ذكرناه في تأويل تكفير القائل بخلق القرآن، ولكن قاذف عائشة رضي الله عنها كافر، فلا تقبل شهادته. ولنا وجه أن الخطابي لا تقبل شهادته وإن بين ما يقطع، لاحتمال اعتماده، وقول صاحبه. والله أعلم.
السبب الرابع: الغفلة، وكثرة الغلط، ولا تقبل شهادة المغفل الذي لا يحفظ، ولا يضبط، فإن شهد مفسرا، وبين وقت التحمل ومكانه، فزالت الريبة عن شهادته، قبلت، ولا تقبل شهادة من كثر غلطه ونسيانه، وأما الغلط اليسير، فلا يقدح في الشهادة، لأنه لا يسلم منه أحد قال الامام: ومعظم شهادات العوام يشوبها جهل وغرة، فيحوج إلى الاستفصال كما سبق في آداب القضاء.
السبب الخامس: أن يدفع بالشهادة عن نفسه عار الكذب، فإن شهد فاسق، ورد القاضي شهادته، ثم تاب بشرط التوبة، فشهادته المستأنفة مقبولة بعد ذلك، ولو أعاد تلك الشهادة التي ردت، لم تقبل، وقال المزني: تقبل. ولو شهد كافر أو عبد أو صبي، فردت شهادته، ثم كمل فأعادها، قبلت، لعدم تهمتهم بدفع العار بخلاف الفاسق، فإن كان يخفي فسقه، والرد يظهره، فيسعى في دفع العار بإعادة الشهادة، فلو كان معلنا بفسقه حين شهد، ففي قبول شهادته المعادة بعد التوبة وجهان، أصحهما عند الأكثرين: لا يقبل أيضا، وإنما يجئ الوجهان إذا أصغى القاضي إلى شهادته مع ظهور فسقه، ثم ردها. وفي الاصغاء وجهان، أصحهما - وبه قال الشيخ أبو محمد، واستحسنه الامام -: لا يصغي، كشهادة العبد والصبي.
ولو كان الكافر يستتر بكفره، وردت شهادته، ثم أسلم وأعادها، لم تقبل على الأصح، ولو ردت شهادته لعداوة، فزالت، وأعادها، لم تقبل على الأصح، ويجريان فيما لو شهد لمكاتبه بمال، أو لعبده بنكاح، فردت فأعادها بعد عتقهما، وأجاب ابن القاص هنا بالقبول، ويجريان فيما لو شهد اثنان من الشفعاء بعفو شفيع ثالث قبل عفوهما، فردت شهادتهما، ثم عفوا، وأعاداها، وفيما شهد اثنان لمورثهما بجراحة غير مندملة، فردت، ثم أعادها بعد الاندمال، ولو شهد فرعان