للعباد، كالقصاص وحد القذف، فيأتي المستحق، ويمكنه من الاستيفاء، فإن لم يعلم المستحق، وجب في القصاص أن يعلمه، فيقول: أنا الذي قتلت أباك، ولزمني القصاص، فإن شئت، فاقتص، وإن شئت فاعف. وفي حد القذف سبق في كتب اللعان خلاف في وجوب إعلامه، وقطع العبادي وغيره هنا بأنه يجب إعلامه، كالقصاص. وأما الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب، فرأيت في فتاوى الحناطي أنه يكفيه الندم والاستغفار، وإن بلغته، أو طرد طارد قياس القصاص والقذف فيها، فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته، أو تعسر لغيبته البعيدة، استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة، هكذا ذكره الحناطي وغيره، قال العبادي: والحسد كالغيبة وهو أن يهوى زوال نعمة الغير، ويسر ببليته، فيأتي المحسود ويخبره بما أضمره ويستحله، ويسأل الله تعالى أن يزيل عنه هذه الخصلة، وفي وجوب الاخبار عن مجرد الاضمار بعيد.
قلت: المختار بل الصواب أنه لا يجب إخبار المحسود، بل لا يستحب، ولو قيل: يكره لم يبعد. وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة، أم يشترط معرفتها للعافي؟ فيه وجهان سبقا في كتاب الصلح. والله أعلم.
فرع لو قصر فيما عليه من دين ومظلمة، ومات المستحق، واستحقه وارث بعد وارث، ثم مات ولم يوفهم، فمن يستحق المطالبة به في الآخرة؟ فيه أوجه أرجحها - وبه أفتى الحناطي - أنه صاحب الحق أولا، والثاني أنه آخر من مات من ورثته، أو ورثة ورثته وإن نزلوا، والثالث ذكره العبادي في الرقم: أنه يكتب الاجر لكل وارث مدة حياته، ثم بعده لمن بعده، ولو دفع إلى بعض الوارثين عند انتهاء الاستحقاق إليه، خرج عن مظلمة الجميع فيما سوف ومطل. وأما التوبة في الظاهر، فالمعاصي تنقسم إلى فعلية وقولية، أما الف علية، كالزنى والسرقة والشرب، فإظهار التوبة منها لا يكفي في قبول الشهادة، وعود الولاية، بل يختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه قد أصلح عمله وسريرته، وأنه صادق في توبته، وفي تقدير هذه المدة أوجه الأكثرون أنها سنة، والثاني: ستة أشهر، ونسبوه إلى النص،