قلت: وأما المتوسط بين المرتشي والراشي، فله حكم موكله منهما، فإن وكلا، حرم عليه، لأنه وكيل للآخذ وهو محرم عليه. والله أعلم.
وأما الهدية فالأولى أن يسد بابها ولا يقبلها، ثم إن كان للمهدي خصومة في الحال، حرم قبول هديته في محل ولايته، وهديته في غير محل ولايته، كهدية من عادته أن يهدى له قبل الولاية لقرابة أو صداقة ولا يحرم قبولها على الصحيح، وحكى ابن الصباغ في تحريمها وجها وهو مقتضى إطلاق الماوردي، وإن لم يكن له عادة بالهدية قبل الولاية، فإن زاد المهدي على القدر المعهود، صارت هديته كهدية من لم يعهد منه الهدية، وحيث حكمنا بأن القبول ليس بحرام، فله الاخذ والتملك، والأولى أن يثبت عليها أو يضعها في بيت المال، وحيث قلنا بالتحريم، فقبلها، لم يملكها على الأصح، فعلى هذا لو أخذها، قيل: يضعها في بيت المال، والصحيح أنه يردها على مالكها، فإن لم يعرفه، جعلها في بيت المال.
فرع قد ذكرنا أن الرشوة حرام مطلقا، والهدية جائزة في بعض الأحوال، فيطلب الفرق بين حقيقتيهما مع أن الباذل راض فيهما، والفرق من وجهين، أحدهما ذكره ابن كج: أن الرشوة هي التي يشرط على قابلها الحكم بغير الحق، أو الامتناع عن الحكم بحق، والهدية: هي العطية المطلقة. والثاني قال الغزالي في الاحياء: المال إما يبذل لغرض آجل فهو قربة وصدقة، وإما لعاجل، وهو إما مال، فهو هبة بشرط ثواب، أو لتوقع ثواب، وإما عمل، فإن كان عملا محرما، أو